02 نوفمبر 2025

تسجيل

ثقافة السخرية

04 مارس 2015

ومن يك ذا فمٍ مرٍّ مريضيجدْ مرًّا به الماء الزلالا ~المتنبي ~ ترتقي النفوس وتسمو أهدافها وتتزين أفكارها ويبدو جمال منطوقها، عندما تنتهج الاحترام كمبدأ يربط بينها وبين كل ما حولها. لقد اعتاد البعض أن يستخلص الجمال في كل ما حوله، لا مثالية في التفكير وإنما هي الواقعية المرنة التي تفترض الجمال كمعنى وليس كمفهوم يقتصر على ما نحبه ونرضاه. واعتاد البعض أن يصف ما حوله بالنقص والقبح أحيانا وهو غالبا لا يرى محاسن المواقف والأشخاص وإن كانت موجودة وواضحة، ذلك لأن النفوس غير النقية يصعب عليها تذوق النقاء وملاحظته. إن اعتياد الاستخفاف بالآخرين ورؤية الأشياء بمنظار الاستنقاص يعكس مشكلة لدى الفرد، قد تتعلق بشخصيته أو بأساليب التربية التي تلقاها وليس بالضرورة يكون الساخر شخصا غير ناجح ولكنه غالبا شخص غير راضٍ عن نفسه ذلك أن الرضا عن النفس أسلوب في الحياة يعالج الخلل في نظرة الإنسان لحياته ولما يعايشه من أحداث. إن السخرية كأسلوب في الحياة هو سلوك خاطئ سلبي لا يتماشى مع رقي الطرح أو نبل الفكر. إن السخرية نفد سلبي يعكس بواطن الإنسان التي تتسم بعدم الاتزان كما تعكس السخرية رغبة ملحة أو عابرة ترمي إلى تشكيك الآخرين في أفعالهم أو أقوالهم وقدرتهم ربما بغرض التخريب عليهم أو مجرد العبث بعواطفهم لزعزعة ثقتهم بأنفسهم، وقد يكون مجرد سلوك عشوائي يمارسه الساخر عندما يجد البعض يستخدمه ويجذب الأنظار إليه. إن السخرية تعكس في بعض أشكالها الخوف من تميز الآخرين الذي يذكره حتما بتأخره أو فشله، ومهما اختلفت السخرية وأشكالها فهي وسيلة بدائية في التعبير ووسيلة مؤكدة لأحداث تنافر في العلاقات الاجتماعية. لقد صارت السخرية في وقتنا الحاضر ظاهرة كشفت عنها وسائل التواصل المختلفة والمتنوعة، وقد تمادى البعض لتصل سخريته لحد الشعوب العاملة الكادحة للتقليل من شأنها واستصغار مستوى عطائهم.وتمادى البعض ليسخر من المرضى وذوي العلل البدنية وتحويل مأساة الآخرين إلى نكتة وطرفة تتعالى من حولها ضحكات ناقصي الحكمة وعديمي المسؤولية الاجتماعية أن وقوع الإنسان تحت سطوة التعنيف والتجريح اللفظي تفقد حضوره الهيئة ومع الوقت تجعله شخصا مرفوضا يتجنب الآخرون التعامل معه أو مناقشته ليجد نفسه في عالم من شاكلته يسوده الكبر المبطن والتعالي المصطنع وهو بذلك يصبح إنسانا مبعدا عن الفعالية المجتمعية. إن التعامل بالمثل مع الفئة الساخرة يقوي من سلوكهم بالرغم من أنه يُضعف من نفوسهم ويزيد من غضبهم وانفعالاتهم السلبية الحادة. في حين أن الترفع عنهم والرد عليهم بمنطوق الحكمة والمنهج المحمدي قد يلقنهم دروسا في أدبيات التعامل تفوق مخزونهم التربوي والثقافي غير المتحضر.