14 سبتمبر 2025
تسجيلعندما ينهار نفق تعده المقاومة –حماس– في غزة على المجاهدين فيرتقي منهم سبعة إلى علا الشهادة فيحزن لهذه الخسارة الشعب الفلسطيني وتتقدم فصائله وأحزابه بتعزية حماس في ذلك، ثم تأخذ منظمة فتح الفلسطينية خطا مخالفا لكل معاني اللياقة الأخلاقية والانسجام الوطني، فتدين المقاومة وتقوم بالتشنيع عليها في بيان رسمي تظهر فيه الشماتة في مقتلهم، فالأكيد أن ذلك ليس حدثا عاديا ولا هو مقطوع عن سياقها الفكري والسياسي الذي تدور فيه. والحقيقة أن منظمة فتح تقصد هذا الشذوذ السياسي ولا تستحي من النشوز الوطني، وفي هذا السياق يأتي تعيين الشخص الكيدي التوتيري "أحمد عساف" مسؤولا أولاً عن وسائل الإعلام التابعة لفتح والسلطة، وفي هذه الفترة الحساسة والعصيبة من تاريخ القضية بالذات.قد يتفهم الرأي العام أن المنظمة وسلطتها تستبطن الخوف من العدو، وأشد منه الخوف من متحصلات إعجاب الشعب الفلسطيني بحماس ومقاومتها، وقد تحس بالعجز أمام إغلاق العدو كل هوامش المناورة السياسية والإعلامية في وجهها ما يزيد من إحراجها ومن ذلها. ولكن لماذا لا يأخذها ذلك إلى الغيرة والتنافس مع المقاومة؟ ولماذا لا يتحول الفشل الذي منيت به إلى غضب على العدو، على اعتبار أن القضية الفلسطينية في الأساس هي قضية شعب ينشد الحرية والاستقلال؟من حق فتح وسلطتها أن ترى ما تقوم به صوابا رغم وضوح فشله، ولكن الذي ليس من حقها بحال ولا يتسامح فيه أبدا هو أن يحفزها -أو يورطها– ذلك في معايرات لحماس وللمقاومة والاستخفاف بجهودها وإنجازاتها التي على رأسها إفشال ثلاث حروب كونية على غزة، وما قامت به من قصف تل أبيب وإعداد ما تستطيع من تسليح وحفر أنفاق في ظل حصار خانق تجاوز حتى اليوم عشر سنوات.ولسنا في وارد القيام بجرد حساب لمنظمة فتح التي لم يتبق لها -من وجهة نظري- ما تعتز به رغم أنها لا تزال تردد مقولات الرصاصة الأولى و"ديمقراطية غابة البنادق"، وأنها شاركت في الانتفاضة الثانية وقدمت فيها من قوات أمنها أكثر من 2000 معتقل في سجون العدو وأكثر من 700 شهيد. والحقيقة أن "الرصاصة الأولى" مجرد دعوى لا تقوم على ساق وليس لها سياق، فالشعب الفلسطيني بدأ مقاومته قبل هذه الرصاصة بثلاثين سنة على الأقل منذ ثورة البراق 1929. ثم على فرض صدق هذه الدعوى فإن محمود عباس الذي ترتضيه فتح اليوم قد أطلق على هذه الرصاصة رصاصة أخيرة بإصراره وإعلانه المستمر أنه يقدس التنسيق الأمني مع العدو. وأما دعوى الديمقراطية فيكفي أن ندلل على ضحالة وضآلة هذا المحتوى بانقلابهم على انتخابات 2006، وتشكيلهم فرق الموت التي مارست القتل ضد حماس وحكومة الوحدة المنتخبة وذلك عبر محمد دحلان -المطرود من فتح بعد خلافه الشخصي مع أسرة عباس- الجدير أن المذكور قد أدين رسميا وقضائيا في محاكم سلطة رام الله. وأما دعوى الشهداء والأسرى فإن صح العدد -وهو موضع شك كبير- فإن شرف ذلك إنما ينسب إلى الراحل عرفات وليس لمحمود عباس الذي جاء نقيضا لعرفات وانقلابا على الانتفاضة، والذي يصرخ ليل نهار بأنها كانت خطأ وجريمة في حق الشعب والقضية.الفلسطينيون يرددون اليوم أسئلة من وحي ما تحققه حماس من إنجازات على أرض الواقع في مقابل من تتردى إليه منظمة فتح وسلطتها من فشل وانحيازات مطمعة للعدو فيقولون: ماذا لو لم تكن حماس في المشهد الفلسطيني؟ وإلامَ ستكون قد وصلت تعديات الاحتلال؟ وكم كان المستوطنون قد أبادوا أو حرقوا من الفلسطينيين وزُروعهم واقتصادهم وممتلكاتهم؟ ولو أن السلطة كانت هي القطار الأوحد لنقل المشروع الوطني كانت بهذا العجز والفساد والاستبداد واليأس مع كل هذا التدهن السياسي والأمني والثقافي والاقتصادي بالعدو. فأين كان هذا القطار قد توقف؟آخر القول: البيان الفضيحة الذي صدر عن منظمة فتح بخصوص شهداء كتائب الإعداد القسامية بما اشتمل عليه من فظاظة وشماتة، قد أركز في اليقين أن هذه المنظمة ترضع من ذات ما رضعت منه روابط القرى التي عرفها الشعب الفلسطيني ذات يوم. بالتالي فإن عليه -عاجلا غير آجل- أن يردها إلى مسار الصلاح والاستصلاح، وإلا فالقطيعة والعقاب وفضح ما تصر عليه في خدمة الاحتلال.