20 سبتمبر 2025

تسجيل

الإنهاك النفسي

04 فبراير 2015

تتعدد الأدوار التي يحياها الفرد خلال حياته، فبعضها يحقق له الراحة وبعضها يحقق من خلاله الإبداع وينطلق من خلال بعضها لتحقيق واجباته، وغالبا ما يتنقل الفرد بين أدواره في الحياة بتلقائية ودون تكلف ومع اختلاف هذه الأدوار وتعددها تختلف مهام الفرد وإنتاجيته. كما أن اختلاف الأشخاص وتنوع أولوياتهم يدفع الأشخاص لممارسة بعض الأدوار بتميز وإخفاق أو توسط في الأداء. ويعتمد ضبط الأدوار على قدرة الإنسان وفهمه لمتطلبات كل دور على حدة وعلى إدراكه الواعي لتبعات الانغماس في ممارسة دور عن دور آخر أو العجز عن القيام بأحد مهامه الأساسية والأولوية. وقد يغالي البعض في أحد مجالات حياته حتى يصل لمرحلة من الإنهاك النفسي والجسدي والذي يعيق بالتالي قدرته على الاستمتاع بجمال الإنجاز الذي حققهويتزامن الإنهاك مع التمادي في العمل والجهد دون الالتفات لراحة البدن أو النفس مما يجعل الفرد يعتاد هذا النوع من الحياة ويبدأ تدريجيا بفقدان أدواره الاجتماعية الشخصية وبالتالي يفقد جوانب المساندة التي يتحقق من خلالها التفاعل والتبادل والمشاركة في الحياة الخاصة التي تشكل الجزء الآخر والمهم في حياته وبنائهويمثل الإنهاك النفسي سلسلة من الانفعالات السلبية المتتالية التي تعكس نقص حقيقي في إشباع الفرد لحاجاته الأساسية حيث يعاني الفرد دون أن يدرك من سيطرة الشعور بالقلق على مجال عمله أو أي نشاط يمارسه مما يجعله يسترسل في الأداء دون ضوابط أو أهداف تحترم قدرته وإمكاناته. ومع الوقت يصبح عرضة لتقلب المزاج المستمر والعصبية الزائدة والغضب والآلام الجسدية التي تعكس المعاناة النفسية. كما يصبح الفرد عرضة لفشل في علاقاته الاجتماعية التي تتأثر بتقلب المزاج وتتأثر بتجاهله وتهميشه للآخرين وإن كان ذلك غير مقصود يقع الكثير في ممن يعتقدون أنهم يحبون العمل في خطأ فادح وهو التضييق على أنفسهم وتصغير حجم اهتماماتهم دون النظر بعين الشمولية للحياة وبذلك يمارس عمله بنشاط متواصل دون التقدير لحاجات الجسد والنفس التي ستطالب بحقها لو بعد حين. بينما يعتبر الاستبصار بخطورة الانغماس هو الخطوة الأساسية التي يعي الفرد من خلالها أهمية التنسيق والتنظيم والجدولة الواعية لحياته حتى يتوازن العطاء بين القدرة والرضا.وتظهر أسوأ أعراض الإنهاك النفسي عندما يستنزف الفرد عواطفه في مجال ما تحت مظلة الحب والتضحية والشفقة ويبدأ ذلك الشخص تدريجيا بانخفاض واضح في كمية العطاء مقابل زيادة مشاعر محاسبة الآخرين ولومهم.وتعتبر معاناة الشخص من الإنهاك النفسي السبب الرئيس الذي يقوده إلى العجز الذاتي والإحساس بالهزيمة وفقدان العزيمة.بينما يمثل منح الإنسان نفسه فرصة للاسترخاء والراحة وتصحيح اُسلوب حياته وتقييم أهدافه حماية أكيدة من الإنهاك النفسي ومن آثاره التي تهدد إبداع ذلك الفرد وتألقه.