17 سبتمبر 2025

تسجيل

العرب في المعادلة التركية - الإيرانية

04 فبراير 2012

حتمية التعاون حكمت العلاقات الثنائية بين تركيا وإيران فيما التنافس ساد العلاقات غير المباشرة. عرفت العلاقات بين تركيا وإيران تقاليد ثبات مزمنة: 1- ستاتيكو جغرافي عمره من عمر معاهدة قصر شيرين 1639 التي رسمت أقدم حدود ثابتة بين بلدين في الشرق الأوسط. 2- الموقع المتاح لكل منهما: تركيا بوابة إيران إلى الغرب وإيران بوابة تركيا إلى آسيا. 3- النزعة الوطنية - القومية القوية المعطوفة على إرث إمبراطوري لكل منهما بحيث يجتنبان أي محاولة للعب بالتوازنات الداخلية للآخر مهما بدا أن هناك أوراقا قابلة للاستخدام: العلويون في تركيا والآذريون في إيران على سبيل المثال. 4- المصالح الاقتصادية المتبادلة لجهة التجارة والاستثمارات وموارد الطاقة وخطوط النقل حيث لا مصلحة لأحد منهما إضعافها. 5- الإدراك التام أن الصدام المباشر بينهما، في ظل توازن الرعب، هو تدمير لكل منهما. في المقابل يختزن البلدان كل عوامل الصدام: الاختلاف المذهبي – اختلاف التوجهات في السياسة الخارجية – اختلاف طبيعة النظام – الإرث التاريخي الدموي العثماني – الصفوي. استحالة الصدام المباشر نقل التنافس بينهما إلى ساحات ثالثة مشتركة يمتلكان فيها عناصر التأثير ويتواجهان فيها كلما اقتضت الضرورة.وهي حصرا: القوقاز وآسيا الوسطى والمشرق العربي. إن تصاعد أو انخفاض منسوب المواجهة والتنافس في هذه الساحات يرتبط بعوامل منها: 1- مدى وجود أو غياب مشروع أيديولوجي متماسك وطموح في البلدين. 2- طبيعة الساحة الثالثة لجهة مدى حضورها ومناعتها لمواجهة التدخلات الخارجية. 3- طبيعة التحالفات الخارجية لتركيا وإيران. 4- طبيعة اللحظة الإقليمية والدولية من الصراعات بين أطراف النظام الدولي السائد. إذا حاولنا ترجمة هذه الاعتبارات على أرض الواقع الحالي نجد: 1- وجودا فعليا لمشروع أيديولوجي متماسك في إيران منذ العام 1979 وفي تركيا منذ 2002. 2- توازنا قويا في القوقاز وآسيا الوسطى. 3- ترنّحا شبه كامل للساحة العربية. 4- تنافر التحالفات الخارجية لكل منهما.إيران مع روسيا في مواجهة المشروع الغربي. وتركيا مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في الطرف المضاد. نحن إذا أمام اكتمال عناصر المواجهة في الساحة الثالثة المشتركة التي هي عربية بامتياز وتحديدا في سوريا ولبنان والعراق وفلسطين. هنا يمكن تسجيل الملاحظات التالية: 1- أن الثورات العربية في مصر وليبيا وتونس وحتى اليمن والبحرين كانت داخل مجتمعات منسجمة إلى حد كبير اجتماعيا ومذهبيا أو بعيدة عن الدائرة المشتركة بين إيران وتركيا. 2- فيما ساحة بلاد الشام إن جاز التعبير تختلف جدا لجهة التوازنات الداخلية السياسية والمذهبية.وأي اختلال في المعادلة الراهنة في هذه الساحة سيهدم توازنات تاريخية قديمة وربما جغرافية تفتح أمام اضطراب قد يمتد لعقود بل أكثر. أخطر ما في المواجهة الحالية بين تركيا وإيران أنها تستحضر كل مفردات التاريخ وحساسياته وتؤسس لهدم ما تبقى من آخر لحمة بين العرب وهي رابطة العروبة وحرف جوهر الصراع بين العرب والمشروع الصهيوني إلى صراع بين السنة بشقيهم التركي والعربي والشيعة بشقيهم الإيراني والعربي. كلما تقدم العرب وحضروا على مسرح التاريخ كانت فرص التدخلات الخارجية تتراجع.لكن تراجع الدور العربي وغشاوة تحديد العدو من الصديق قدّمت العرب وجبة دسمة على طبق من ذهب إلى كل القوى الإقليمية والدولية.والمسار الذي يرى في القوى الإقليمية خطرا، ما عدا الخطر الدائم إسرائيل، هو من أخطر التحديات التي تواجهها الأمة العربية. وإذا كانت تركيا وإيران تهربان إلى الصراع في ساحات ثالثة عربية تحديدا فهذا سينعكس سلبا على الجميع.ومع أن التنافس بين تركيا وإيران بلغ أوجها في الفترة الأخيرة فإن التفاهم بينهما على تحصين الساحة العربية هو المدخل للوصول إلى حلول تحفظ الاستقرار للمنطقة العربية لأنها تحفظ الاستقرار لهما أيضا.