14 سبتمبر 2025
تسجيللم يكتبوا لهم لمجرد الكتابة، ولم يصيغوا هذه الكلمات للترنم بها والطرب لها، ولم يرسلوها لفتحها ثم يغلقوا هذه الصحيفة بعد ذلك، وهي ليست للقراءة فقط والاستمتاع بعباراتها وما جاء فيها من كلمات، وإنما هي لمراجعة ذواتنا والتوقف عندها بنظرة العمل، وهي صالحة لكل واحدٍ منا أياً كان موقعه ومكانته ومنصبه والمسؤوليات التي يحملها، فهؤلاء القوم رحمهم الله هم أسوتنا وقدوتنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونأتي على بعض ما كتبه صُنَّاع الحياة حمّال الرايات:- * كتب الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمّاله «إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع». فوا أسفاه على كل من ضّيع هذه الفريضة أو تهاون فيها، وخاصة صلاة الفجر مع جماعة المسجد!. * كتب أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز رحمه الله إلى بعض عمّاله» أمَّا بعد، فإذا دَعَتك قُدرَتُك على النَّاسِ إلى ظُلمِهم، فاذكُر قُدرةَ الله تعالى عليك، ونَفادَ ما تَأتي إليهم، وبَقاءَ ما يأتونَ إليك». فكم حذّر هؤلاء من ظلم الناس وأكل حقوقهم!. وكم حذّروا من تعطيل مصالح الناس وتفضيل أناس على آخرين!. فعلموا أن قدرة الله سبحانه فوق كل قدرة ومنصب ومكانة!. فانتبه يا رعاك الله من هذا الظلم بمساحاته المظلمة!. * كتب الخليفة العباسي أمير المؤمنين هارون الرشيد رحمه الله إلى نقفور ملك الروم رسالة شديدة البيان، فكتب على ظهر الكتاب الذي أرسله إليه نقفور «بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم؛ قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه، والسلام». فقد خرج هارون الرشيد رحمه الله بنفسه في 187 هـ 803م، حتى وصل هرقلة وهي مدينة بالقرب من القسطنطينية، واضطر «نقفور» إلى الصلح والموادعة، وحمل مال الجزية إلى الخليفة كما كانت تفعل «إيريني» من قبل، ولكنه نقض المعاهدة بعد عودة الرشيد، فعاد «الرشيد» إلى قتاله في 188هـ 804م، وهزمه هزيمة منكرة، وقتل من جيشه أربعين ألفا، وجُرح «نقفور». هؤلاء الرجال صُنَّاع الحياة لم يعرفوا كتابة رسالة احتجاجية، أو بيان تنديد، أو خنوعا أو ذلا أو تبعية، أو مظاهرات أو وقفات احتجاج، وإنما قول يتبعه عمل وتأديب، وعزة المؤمن الواثق بربه والمعتصم بحبله المتين، فكان النصر، فرحم الله الخليفة هارون الرشيد. * كتب السلطان محمد الثاني إلى والده رحمهما الله رسالة طالباً منه العودة ليحكم البلاد، وذلك في حال وقوع معركة مع المجر، لكن والده رفض طلبه. الأمر الذي أشعل نيران غضب محمد الثاني فكتب إلى والده مجددا قائلاً له «لو كنت أنت السلطان بحق، فارجع وسر بجيشك إلى المعركة. وأن كنت تراني أنا السلطان، فإني آمرك بالمجيء وقيادة جيشي في المعركة». عرفوا أن مصلحة الأمة فوق كل مصلحة حتى ولو كانت مع الأقربين!. * كتب السلطان العثماني عبدالحميد رحمه الله ورد على المطالب والعروض التي جاءت من هرتزل الزعيم الصهيوني المجرم بالرفض التام لها، قائلاً له بكل وضوح وعزة مؤمن أبيّ شامخ «انصحوا هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين، فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية، ولقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض وروّاها بدمه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت دولة الخلافة يوما فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن. ولكن التقسيم لن يتم إلا على أجسادنا». رحمك الله أيها السلطان ما فرطت شبراً من أرض فلسطين في زمن حكمك!. فواشوقاه لرجال أمثال هذا السلطان يصنعون لأمتهم المجد والكرامة ويسطرون المشاهد الحية في الحياة وتسعد بهم الأمة!. «ومضة» رحم الله رجال أمتنا الشرفاء كتبوا فصول العزة والكرامة ورفعوا راية الإسلام في مساحات الحياة.