19 سبتمبر 2025

تسجيل

ماذا سيتغير في 2018 ؟

04 يناير 2018

يمضي عام ويأتي آخر جديد في دورة زمانية مستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. القوانين الكونية هي هي لا تتغير، فإن العام الماضي والعام الحالي والقادم، إنما هي أرقام تتغير ليس أكثر من ذلك. تبدأ من رقم محدد لينتهي إلى آخر محدد أيضاً، لتنتهي الدورة الزمانية وتبدأ أخرى، وهكذا دواليك. لا تغيير على هذا الحساب، إنما الذي يتغير ها هنا هو الإنسان وما يرتبط به من جمادات وأحياء أخرى، وهو النقطة الجوهرية المهمة في مسألة التغييرات المرتبطة بالزمن..     بعد هذه المقدمة الفلسفية دعونا ندخل من فورنا إلى ما يمكن اعتباره محاولة استشرافية لبعض أحداث بدأت وما زالت حية مستمرة.. وعلى هذا نعيد طرح العنوان أعلاه مرة أخرى لنقول: ماذا سيتغير في عامنا هذا؟    إن بدأنا بأهم ما يشغلنا في المنطقة حالياً وهي أزمة الخليج، فسنقول أنها، ومن خلال استقراء الأحداث الفارطة منذ الخامس من يونيو، لا تبدو واضحة أنها إلى التهدئة تسير، أو إلى النهاية المأمولة تقترب، بل غالب التوقعات أنها مستمرة ولكن ليس بالزخم الذي كانت عليه الأزمة في أشهرها الأولى، فربما كثرة أخطاء وتخبطات الرباعي المتأزم فيما بينهم ضد قطر، من أسباب خفوت بريق الأزمة وتلاشي زخمها، وخاصة بعد أن تبين، كما هو واضح لأي مراقب للأزمة، أن قطر منذ أشهر قليلة اعتبرت الأمر وكأنه لم يكن، واعتبرت الحدث فرصة لها للبدء من جديد، كما لو أنها حصلت للتو على استقلالها، وقد سرت بالنفوس مشاعر حماسة الانطلاق، والرغبة في بناء مستقبل أفضل، في ظل تحالفات متنوعة وبمعية قوى أخرى صديقة، بعيداً عن الجوار القريب. ما يعني أن الأزمة ستظل تراوح مكانها. وقد يعلو صوتها قليلاً بين الحين والحين، لكن من المؤكد أنه سرعان ما سيخفت ويهدأ، ذلك أن ما يتعرض له الرباعي المتأزم في دواخلهم أو ما يواجهونه من مشكلات داخلية نتجت خلال الشهور الست الماضية، صارت أكبر من قطر بكثير، وأحسبها ستشغلهم حيناً من الدهر لا أعرف مداه، بل أتوقع أنهم قد وصلوا لنقطة حرجة لا خيار لهم عندها مطلقاً، وهي نقطة اللاعودة. فإما الخروج من هذه الأزمة بصورة تحفظ ماء وجوههم، وإلا فإنهم في مواجهة كاشفة فاضحة للإجابة على السؤال الكبير المنتظر من شعوبهم وشعوب المنطقة وآخرين كُثر: لم كل هذا العبث الذي أحدثتموه بالمنطقة؟ وبالطبع لا إجابة حاضرة لديهم ساعتئذ.      إن ذهبنا إلى ما حولنا بالمنطقة وخاصة السعودية، فإن التذمرات فيها شديدة وتتصاعد، لاسيما بعد فرض الضرائب، مع استمرار حالة القلق مما يحدث بالجوار اليمني والجوار القطري، إضافة إلى الضغوط الدولية عليها بسبب كارثة الحرب اليمنية.. ولا أتوقع تحسناً سيطرأ على الداخل السعودي، خصوصاً إذا ما اشتدت الأمور في إيران، التي ربما تستفيد من الورقة السعودية لتكون مدخلاً للفت الأنظار حيناً من الدهر، عبر إلقاء اللوم عليها واتهامها بالتسبب فيما يحدث من تظاهرات وقلاقل، وهذا بدوره قد يلقي بظلال من التوتر والقلق بالداخل السعودي، ويحدث نوعاً من المواجهة السياسية والإعلامية بين الطرفين، حيث لا أجد أنها في صالح الرياض في حال استمرارها، فهي بمثابة جبهة جديدة لها، إلى جانب الجبهات الأخرى المفتوحة الساخنة، الخارجية منها والداخلية، وهي مما تضعف من قوة وتأثير الدولة السعودية وتماسكها واستقرارها.    إيران على الجانب الآخر من الخليج، يبدو أنها على موعد مع حراك جماهيري مختلف هذه المرة، والذي بدأ منذ أسبوع، إذ لن يكون كالحراكات السابقة أو هكذا يبدو الحراك الحالي من خلال نوعية التحركات وانتشارها الواسع، ومشاركة فئات مختلفة من الشعب فيها.. إن استمرار مثل هذا الحراك لأسبوع آخر، من شأنه إبقاء جذوة التحرك ضد سياسات الحكومة الخارجية والداخلية، متقدة وباقية في هذا الشتاء البارد هناك، لن تنطفئ سريعاً، وهذا الأمر بدوره سيلقي بظلال من القلق والتوتر على المنطقة بأسرها، بل ربما يدفع بالغرب للاحتشاد في الخليج مرة أخرى بصورة وأخرى، تحت زعم حماية المصالح الاستراتيجية والتصدي لمهددات الأمن القومي لها، أو كما هو الزعم الشائع دوماً.     تركيا ستستمر في مشروع استعادة الإرث والتاريخ العثماني بطرق متنوعة، فيه الكثير من الهدوء المرافق لدبلوماسية استخدام لغة المصالح والمنافع المتبادلة، سواء مع الشرق أو الغرب، مع الاستمرار في تعزيز التماسك والأمن الداخلي.. والنظام الحالي يبدو أنه قادر وناجح على أداء هذا الدور بكل احترافية ووضوح رؤية.   على جانب بعيد وقريب من المنطقة في الوقت نفسه، لا يبدو أن الرئيس الأمريكي ترامب، الزعيم المهووس بإثارة القلاقل في كل بقاع الأرض، سيغيب عن المشهد الأمريكي والعالمي قريباً، رغم الجدية التي عليها خصومه في دعوات عزله، والسير في إجراءاتها، وحشدها بكل ما يلزم من أدلة وبراهين من تلك التي تفيد عدم صلاحيته وأهليته قيادة أكبر قوة عسكرية ظهرت في التاريخ إلى الآن.. ما يعني أن استمراره في هذه الإثارة، هو استمرار لقلق وتوتر عالمي مشروع، إذ لا أحد يدري ما يمكن أن ينتج عن تلك التوترات من نتائج وتبعات..     الأحداث أكثر مما يمكن أن تستوعبها هذه المساحة للحديث عنها. وما سبق التطرق إليها من أحداث أعلاه، إنما هو نوع من المرور السريع على ما يمكن أن يحدث ويتغير خلال 2018، الذي ومن خلال استقراء أحداث العام الفارط، لن يتغير كثيراً أو يكون بأفضل من 2017، وإن التعمق أكثر في التوقعات ربما يؤدي لأن يتحول إلى رجم بالغيب الذي لا يعلمه إلا الله.. وهو مع ذلك، لا يمنع أن نرجو الله أن يكون هذا العام أفضل مما مضى، يكون فيه الخير والصلاح، فإنه سبحانه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.