17 سبتمبر 2025

تسجيل

لا تضيّعها!

04 يناير 2016

الحسنات ثروة وكنز مدخر، ونعمة وفضل منه سبحانه وتعالى، نسعى إليها ونسابق الغير وننافسه عليها، ونبادر للحصول عليها، فميدان وسوق الحسنات في هذه الحياة واسعة وأبوابها كثيرة، من يطرقها يدخلها وينالها، والموفق من وفقه الله إليها لتكثير رصيده الأخروي منها. ولكن هناك من الناس-ولا نعمم- يهدم ما يبنيه، ويُتلف ما يزرعه، ويفقد ما يكنزه ويحرص عليه، ويكسر الجدار الذي يشيّده ويجعل فيه شروخاً قد تضره بعد حين، بل ويضيّع رصيده الذي كان يرفعه في كل وقت.فهناك من يضيّع أعماله بالسب والشتم والكلام البذيء والتطاول على الغير، وقد يكون على أقرب المقربين إليه والدعاء عليهم، وأيضاً من يبدد هذا الخير الذي عنده وجناه بالقذف والتشهير بالناس والافتراء عليهم، وكذلك من يضيّعه بأكل أموال الناس بالباطل ويعتدي على أملاكهم، وهناك من يظلم ولا يرد إلى الناس مظالمهم وحقوقهم، ومنا من يجلس في مجلس ما ولسانه لا يحلو له إلاّ أن يتكلم على العالم الفلاني والداعية الفلاني والإنسان الفلاني بالغيبة وباللمز والهمز والغمز والتطاول وفحش الكلام والضحك على الناس، وفي نشر الإشاعات عن هذا وذاك، سواء كان ذلك كله باللسان أو بالعمل أو عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي أو بأي وسيلة أو أسلوب. ولنا أن نقف عند هذا الحديث الشريف وقفة صحيحة في حركة حياتنا اليومية، وفقه عملي له حتى لا نقع في الإفلاس الحقيقي المر، فالأمر ليس باليسير، سواءً كان للرجل والمرأة أو في أي مكان نجلس فيه فرادى أو جماعات، فهو ليس مجرد حديث يقرأ ويدرّس هنا وهناك، ولكن واقع عملي نعيش في رحابه ونستظل بظلال الهدي والتوجيه والإرشاد والتنبيه النبوي لنا، لنحركه في حياتنا في ميادينها المختلفة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي، من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته، قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار" أخرجه مسلم رحمه الله.ولنا أن نتأمل كذلك ونقف ونفقه الحوار بين معلم الناس الخير رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل قعد بين يديه، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت "جاء رجل فقعد بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن لي مملوكين يكذبونني، ويخونني، ويعصونني، وأشتمهم وأضربهم، فكيف أنا منهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك، وعقابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافاً لا لك، ولا عليك. وإن كان عقابك إياهم دون ذنبهم كان فضلاً لك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم، اقتص لهم منك الفضل فتنحى الرجل، وجعل يهتف ويبكى. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما تقرأ قوله تعالى " وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ". أخرجه الترمذي رحمه الله"ومضة"قال الإمام ابن القيم رحمه الله "أغبى الناس من ضل في آخر سفره وقد قارب المنزل" اللهم ألهمنا ووفقنا إلى الصواب في القول والعمل.