03 نوفمبر 2025

تسجيل

وزير الصحة اللبناني.. نموذج ينتظر التقليد

04 يناير 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); تتواصل الحملة الصحية التي بدأها منذ أسابيع وزير الصحة اللبناني وائل أبو فاعور. فهو كل بضعة أيام يطل على اللبنانيين بمؤتمر صحفي يعلن فيه عن أسماء المطاعم والمؤسسات الغذائية التي لا تستوفي منتجاتها التي تقدمها للمستهلك المواصفات الصحية المطلوبة. هو نهج لم يألفه اللبنانيون من مسؤول سياسي، فقد جرت العادة أن يطل النائب أو الوزير أو الزعيم لينتقد هذا وينال من ذاك، ويحرض على ذلك.. أما أن يكون الهدف من إطلالة المسؤول هو فضح المؤسسات التي تتسبب بالأذى للبنانيين، فهو أمر غير مسبوق في قاموس السياسيين اللبنانيين. ربما هي المرة الأولى التي يشعر فيها اللبنانيون بأن مسؤولاً في الدولة يبدي حرصاً على ما يأكلون ويشربون، ويهتم لصحتهم ويسعى للحد من الأمراض التي تفترسهم. هي المرة الأولى التي يتناقل اللبنانيون أخبار مسؤول لا لتصريحاته النارية، ولا للمواقف السياسية النافرة التي أعلنها، بل للخدمات التي يقدمها لهم. هي المرة الأولى التي يشعر اللبنانيون أن مسؤولاً في الدولة تنبه إلى آدميتهم واحترمها، وأدرك أن من واجبه تأمين حياة سليمة لهم.يدرك اللبنانيون أن ما يقوم به وزير الصحة ليس إعجازاً ولا ابتكاراً، بل هو واجب عليه، وهو بذلك يحلّل قرشه الذي يصله نهاية كل شهر من جيوب اللبنانيين، وبالتالي هو لا يستحق التهليل والتصفيق والإشادة التي نالها. هذا الكلام صحيح لو كنا نتحدث عن بلد أوروبي أو حتى آسيوي، لكنه لا ينطبق على لبنان. فمبادرة أبو فاعور الصحية تواجه بلداً يعشعش فيه الفساد، ونخره العفن. وهو بتحركه هذا يضع نفسه في فوهة بركان في مقابل منظومة متكاملة من الفساد تسيطر على مفاصل البلد، ولا تهتم إلا بمصالحها حتى ولو جاءت على حساب صحة المواطن، ولا تعبأ إلا برصيدها في المصارف الأجنبية، ولو قارب رصيد صحة اللبنانيين عتبة الإفلاس. لذلك، لا يخفى أن أهم ركائز نجاح حملة أبو فاعور الصحية وضمانة استمرارها هو الغطاء الذي حظي به من مرجعيته السياسية المتمثلة بالنائب وليد جنبلاط أولاً، وأيضاً صمت المرجعيات السياسية الأخرى التي كان بإمكانها وقف الحملة بممارسة حق النقض "الفيتو". ولولا هذا الغطاء لكان المتضررون من حملة أبو فاعور –وما أكثرهم- حاولوا تضييق الخناق عليه وإجهاض مساعيه، وربما لفقّوا إليه ملفات زجّته في السجن.الفوائد التي رافقت حملة أبو فاعور الصحية لم تنعكس فقط على صحة اللبنانيين، بل انعكست أيضاً على نفوسهم وعقولهم. فقد استيقظ اللبنانيون على حقيقة أن صحتهم وصحة أبنائهم وأحفادهم تجمعهم وتوحدهم بعيداً عن المهاترات السياسية، والتنافرات الطائفية، والمناكفات السطحية. وهم أدركوا أن مساندة هذا السياسي أو ذاك، ومهاجمة هذا الحزب أو ذاك، أمر سخيف ولا يستحق الاهتمام إذا قورن بصحة المواطن وصحة من حوله. فحين ينهش المرض جسد ابنك أو زوجتك أو والدك لن يكون الزعيم ولا الطائفة ولا الحزب إلى جانبك. ستكون وحدك في المستشفى متأملاً الممرضة وهي تحقن الأدوية بجسد من تحب.من إيجابيات حملة أبو فاعور أيضاً أنها أشعلت الغيرة في نفوس زملائه من الوزراء والمسؤولين، بعدما لمسوا التأييد الذي لقيه من اللبنانيين. فدب ببعضهم النشاط، واستيقظت ضمائر بعضهم الآخر، وبدأوا بالسير على خطى وزير الصحة وتقليد جولاته وزياراته المفاجئة للمؤسسات الغذائية، علّهم بذلك ينالون بعض ما ناله من استحسان وتأييد، وهو أمر تطمح إليه كل الطبقة السياسية التي يزداد الغضب منها والاستياء من أدائها.حملة أبو فاعور الصحية، وكما كان متوقعاً، واجهت جملة من الاتهامات والغمز واللمز. أحد هذه الاتهامات اعتبر أن وزير الصحة يسعى من وراء حملته للترويج الإعلامي لنفسه وإبراز الفريق السياسي الذي ينتمي إليه، وتقديم نفسه على أنه الحريص دون غيره على مصلحة وصحة الشعب اللبناني. من الاتهامات أيضاً أن حملة أبو فاعور تهدف لإلهاء اللبنانيين عن همومهم ومشاكلهم الأخرى، وعلى رأسها إشغالهم عن شغور سدة الرئاسة الأولى، وربما عن المخاطر التي تتهددهم من كل جانب. أياً كانت الأسباب التي دفعت الوزير وائل أبو فاعور للقيام بحملته الرقابية على المنشآت الصحية، فإن اللبنانيين مدينون له بالشكر والتقدير والامتنان. وهنيئاً له الترويج لشخصه ونيل شعبية بين اللبنانيين حتى ولو كان يهدف إلى ذلك. وحبذا لو يسير على خطاه بقية المسؤولين في الدولة، حينها لن يبخل اللبنانيون عليهم بالتأييد والولاء والتشجيع، ولو كانت مواقفهم السياسية متباعدة. وإذا صح أن حملة وزير الصحة تهدف للإلهاء، حبذا لو دائماً يكون الإلهاء بهذه الطريقة التي تحقق مصلحة اللبنانيين، بعدما جرت العادة أن يكون إلهاؤهم بافتعال حوادث أمنية وخلافات سياسية وتراشق إعلامي لا يولّد إلا تباغضاً وتباعداً وتشاحناً.