31 أكتوبر 2025
تسجيلفي لبنان، تأمل الأحداث التي زاحمت العام 2013 عند نهايته أن تستقطع لها مساحة في العام 2014، فتطبع مشهده بمشهد الأعوام السابقة. أعوام كانت كقطع الليل المظلم على لبنان وشعبه.. لم يشهد لبنان منذ العام 2005، تاريخ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان بعد 25 سنة من الوجود أو الاحتلال، كما يحلو للبعض أن يسميه، عاما واحدا هادئا ومبشراً. العدوان الإسرائيلي على لبنان العام 2006 كان مدمرا، وأرجع لبنان إلى الوراء سنوات، ولادة تنظيم "فتح الإسلام" في مخيم نهر البارد شمال لبنان العام 2007، أيّا كان الوالد، فقد كلّف وأد المولود الجيش اللبناني ما يربو عن 120 شهيدا، في حين هُجّر ساكنو أكبر مخيم فلسطيني في الشمال، في مشهد يُذكّر بنكبة 48، وما زال أهالي المخيم حتى اليوم خارج بيوتهم المدمرة.في 2008 كانت أحداث 7 مايو، وما يعرف باجتياح حزب الله لبيروت، وفرض أمر واقع على خصومه السياسيين بعد احتقان سياسي دام 3 سنوات، انتهى بتوقيع اتفاق الدوحة في العام نفسه برعاية قطرية وتفاهم سعودي إيراني، قضى بإقامة انتخابات برلمانية قد تفضي بتسمية سعد الحريري رئيساً لحكومة وطنية جامعة، وتسمية قائد الجيش في حينها ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية. لم يدم شهر العسل طويلا بين قوى 14 آذار و8 آذار، فقررت الأخيرة إسقاط حكومة الحريري بعد نجاحها في إبعاد كتلة وليد جنبلاط عنها، فسقط الحريري مرة ثانية بقوة الدستور هذه المرة، وليس بقوة السلاح.تمّ تسمية نجيب ميقاتي في العام 2011 رئيسا للحكومة، حكومة من لون واحد هي حكومة 8 آذار. قاطعها تيار المستقبل وحلفاؤه، وحاولوا عرقلتها في الشارع والبرلمان. فشلت الحكومة التي فُسّر مجيؤها على أنها حكومة حزب الله برئيس سني وُضع خلافاً للمزاج السني الذي بايع سعد الحريري زعيما في انتخابات 2009.لم تصمد حكومة ميقاتي طويلا، فتعثرت حكومة اللون الواحد، وباغتها الربيع العربي الذي دبّ في شرايين الجسد العربي من تونس غربا إلى سوريا شرقا. اختلطت الأوراق وفقدت البوصلة، وعادت الأمور أسوء مما كانت عليه، فحصل اغتيال مدير فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن (مقرب من تيار المستقبل)، أعقبه رفض حزب الله مطلقا للتجديد لمدير العام لقوى الأمن الداخلي أشرف ريفي (مقرب من تيار المستقبل) انتهى الأمر باستقالة حكومة نجيب ميقاتي، وتسمية تمام سلام رئيسا للحكومة (عضو كتلة تيار المستقبل البرلمانية). لم يوفق سلام ولم يسمح له بتأليف حكومة مصغرة أو موسعة، حيادية أو تكنوقراطية، وازداد الصراع حتى وصل إلى كل ملف باستثناء التوافق على تعطيل الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في يونيو 2013. طبعا لكلّ أهدافه.الخلاف لم يكن على إدارة الملفات الداخلية أو أي لبنان نريد، بل تعدى إلى دول الإقليم من سوريا إلى البحرين، مؤيد هنا لحراك الشعوب رافض هناك، والعكس صحيح. مشهد يعكس حالة التبعية التي تعيشها القيادات السياسية وأحزابها المتخندقة في بيئاتها الحاضنة، أي بيئاتها الطائفية بكل صراحة.لم يرحل العام 2013 بهدوء خلافا للصخب السياسي والأمني خلال شهوره الطويلة، تفجيرات طالت المساجد في طرابلس، وأخرى طالت الشوارع في الضاحية، في حين زلزلت تفجيرات السفارة الإيرانية في بيروت المشهد السياسي تماما، وشعر معها اللبنانيون أن لبنان بات ساحة تصفية حسابات إقليمية بامتياز، فحزب الله يقاتل في سوريا دفاعا عن لبنان وأهله، عن فلسطين وقضيتها، عن المقاومة ونهجها. وسلفيون لبنانيون يقاتلون في سوريا دفاعاً عن عروبة سوريا وإسلاميتها أمام احتلال فارسي أطبق على لبنان وسوريا معاً، هكذا يبرر هؤلاء وأولئك تدخلهم في سوريا.إنه الأسبوع الأخير من العام، لم يكن مختلفا، أبى الذهاب إلى دفاتر التاريخ دون أن يتأبط تحت جناحه روحا سياسية، فكان اغتيال الوزير السابق محمد شطح (من قيادات تيار المستقبل) المعروف باعتداله السياسي. رحل الرجل صامتاً، ورحل العام صاخباً، وبقيت قلوبنا تخفق قلقا ممّا هو قادم.