03 نوفمبر 2025

تسجيل

مخاطر ابتعاد تركيا عن الاتحاد الأوروبي

04 يناير 2013

بعد عشر سنوات على وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة يبدو الحلم الأوروبي موضع شك كبير لأكثر من سبب منها وأولها أن حكومات حزب العدالة والتنمية تراخت في عملية الإصلاح بعدما بدا لها أن تحقيق التطلعات ممكنة في مكان آخر من الشرق عوض اللهاث خلف أضغاث أحلام أوروبية لن تتحقق في المستقبل. والسعي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كان هدفا استراتيجيا لكل من العلمانيين والإسلاميين على حد سواء لكنه كان مجرد شعار لتسويغ سياسات إلغاء الآخر داخل تركيا قبل أي غرض آخر. وإذا راهنت سلطة حزب العدالة والتنمية على أن تكون رائدة في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي فقد تباطأت كثيرا في المضي في الإصلاحات في عدد كبير من الموضوعات منذ العام 2005.وقد حفلت تقارير الاتحاد الأوروبي بمواطن النقص والتعثر في عملية الإصلاح التركية ومع ذلك فقد كان لتركيا نظرتها الخاصة التي رفضت تحاملات التقارير الأوروبية ووضعت الكرة في ملعب أوروبا. لذا للمرة الأولى تقدم الحكومة التركية على وضع تقرير خاص بها حول مدى تقدمها على طريق الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. المشرف على التقرير وواضع ملاحظات تقييمية لمقدمته هو وزير الدولة لشؤون الاتحاد الأوروبي ايغيمين باغيش الذي اختصر تقييمه بالقول إن تركيا في نهاية العام 2012 أظهرت أنها أكثر قربا من أي وقت مضى من الانضمام إلى الاتحاد وأنها أكثر بلدان الاتحاد تقدما في عمليات الإصلاح. التقرير التركي طويل جدا ويتألف من 270 صفحة. يدافع التقرير عن الإصلاح في القضاء ويقول إن نسبة المعتقلين انخفضت إلى 23 في المائة عما كانت عليه وأن 33500 شخص قد أطلق سراحهم. وذكر التقرير في إشارة إلى مطالب الأكراد إلى أن اللغات واللهجات المحلية أدرجت في المناهج التعليمية كلغة اختيارية.وسمح لذوي المعتقلين بالتحدث معهم باللغة الأم.كما سمح بالدعايات الانتخابية بلغات مختلفة.وذكر التقرير أنه أعيدت لأصحابها أملاك الأوقاف التابعة لمجموعات دينية مختلفة.كما صدرت تشريعات تمنع العنف ضد المرأة.كما دخلت تركيا طرفا في العديد من الاتفاقيات الأوروبية الحامية للأطفال واستغلالهم. يذكّر المحلل التركي المعروف إحسان داغي بأن حجر الزاوية لتركيا المستقبل هو المسار الأوروبي الذي يجب تذكير حزب العدالة والتنمية بأنه هدف استراتيجي لتركيا وهو يشكل المخرج لمآزق تركيا التي بدأت تواجهها من جراء التطورات الإقليمية الضاغطة على تركيا. ويكتب كريم بالجي في صحيفة زمان أن عضوية الاتحاد الأوروبي ليست فقط ضمانة ضد النخب العسكرية القديمة بل أيضاً ضمانة للنخب الجديدة الصاعدة من أن تفقد شفافيتها وتتراخى مع الوقت وضمانة لكي لا تملأ هذه النخب الفراغ الذي تولد من تصفية الدولة العميقة القديمة. يقول بالجي إن أهم دروس التجربة التركية مع الاتحاد الأوروبي أن تركيا لا تستطيع بمفردها أن تصبح ديمقراطية ولا أن تحمي مكتسباتها الديمقراطية.ويرى بالجي أنه رغم كل أزماتها فإن أوروبا تبقى الضمانة الوحيدة لتقدم تركيا على طريق الحداثة.وحزب العدالة والتنمية استخدم الاتحاد الأوروبي في بداية سلطته ليتمكن من الإقلاع في الإصلاح.وانتهى بالجي إلى تقييم مهم جدا وهو "أن الإصلاح ليس فقط حاجة داخلية بل إن الابتعاد عن الإصلاح كان سببا في ارتكاب الأخطاء تلو الأخرى في سياسات تركيا الخارجية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وفي مكافحة الإرهاب وفي احترام التوازنات العالمية". لقد أوقفت تركيا كل تعاملاتها مع الاتحاد الأوروبي خلال النصف الثاني من العام 2012 بسبب ترؤس قبرص اليونانية الرئاسة الدورية للاتحاد.ويأمل مؤيدو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أن تكون رئاسة أيرلندا الدورية للاتحاد في النصف الأول من العام الجديد 2013 بارقة أمل لكي تستعيد تركيا "حساسية " الإصلاح الأوروبي.لكن مما يبدو فإن انغماس حكومة حزب العدالة والتنمية الكامل في توترات المنطقة العربية والشرق أوسطية والسعي لتغيير الخرائط والتوازنات لن يتيح لأنقرة فسحة كافية لكي تعيد التفكير والاعتبار للمسار الأوروبي وهو أمر لا يصب لا في مصلحة تركيا ولا في مصلحة شعوب المنطقة الغارقة حتى أذنيها في فتن الدم التي تنتهي.