17 سبتمبر 2025

تسجيل

بين الجذور والفروع

03 ديسمبر 2014

الجذور تمتد في نخاع الأرض، والفروع تتمدد في الهواء الطلق، الجذور تجعل الشجرة راسخة الأصول، والفروع تجعل الشجرة رائعة الجمال، الجذور هي مصدر الغذاء والماء، والفروع هي مصدر الهواء، الجذور لا تتجمل بالألوان، والفروع تتلون بالخضرة والجمال، الجذور تميل إلى الصلابة والقوة، والفروع تميل إلى الليونة والضعف، لا تحيا الشجرة بغير الجذور لكنها قد تحيا لو انتقص من الفروع، الجذور تتمدد نحو هدفها المحدد (الغذاء والماء)، والفروع تتمايل مع نسائم الهواء، إذا اشتدت العواصف على الفروع تتعمق الجذور أكثر في الأرض بهدي خالقها سبحانه، لتحمي الفروع من الريح العقيم، الجذور في الطهارة والصلاة والصيام والزكاة والحج هي الأركان التي تبطل العبادات بغيرها، والفروع هي الهيئات والمستحبات والمكملات، الجذور في الشريعة هي الضروريات والحاجيات، والفروع هي التحسينيات، الجذور في المعاش هي القدرة على الحصول على الغذاء والماء والدواء والسكن والكساء والتعليم والزواج، والفروع هي أشكال الملابس والمفارش والمراكب والهواتف والنظارات والحقائب والستائر و....، الجذور في السياسة هي العدل والشورى والحكمة، والفروع هي شكل الحكم خلافة أو إمارة أو رئاسة أو ملكية، الجذور في الاقتصاد توظيف الطاقات في العمل والإبداع، والموارد في الاستثمار والإنتاج، وألا يكون المال دولة بين الأغنياء دون الفقراء، ووقف الربا والغش والاحتكار والغرر، والفروع هي أشكال الشركات فردية أو جماعية ذات مسؤولية محدودة أو غير محدودة، محلية أو عالمية، الجذور في الحياة الزوجية أن يوجد الحب القلبي أولاً ثم التفاهم العقلي ثانيًا ثم التناغم الجسدي ثالثًا، والفروع أن يكون أحد الزوجين من عائلتين أو بلدين مختلفين، أو اختلاف التخصص الدراسي، فإذا صحت الجذور صارت: (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) (إبراهيم:24)، وإذا فسدت الجذور صارت: (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) (إبراهيم:26).والذي أرجوه بإلحاح أن نبني الجذور قبل الفروع، وألا تؤثر الفروع على الجذور كما قال الشاطبي في الموافقات: "إذا اختل الضروري اختل وراءه كل حاجي وتحسيني، ولا يجوز أن يعود التحسيني على الحاجي والضروري بالإبطال". أمتلئ مرارة عندما أجد فقهاء وساسة واقتصاديين وقادة يتفاعلون مع الفروع والقشور تاركين الأصول والجذور، ويعالجون الأعراض دون الأمراض، فلنعد إلى صوابنا، ونرتب أولوياتنا قبل أن نلقى ربنا، ولنتذكر أن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة.