17 سبتمبر 2025
تسجيلسريعا حاولت كينيا تهدئة أزمة بدأت تلوح في الأفق مع السودان.. وذلك على خلفية القضية التي رفعها فرع اللجنة الحقوقية الدولية (ICJ) لمحكمة كينية تطالب النائب العام في كينيا ووزير الأمن الداخلي بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير، ونص قرار المحكمة الذي أغضب الخرطوم أيما غضب على أنه "يتوجب على الإدعاء الكيني ووزير الداخلية في كينيا إلقاء القبض على البشير حالما تطأ قدماه الأراضي الكينية".. الخرطوم سارعت واتخذت قرارا بطرد سفير كينيا لدى السودان دون أي إشارة لقطع العلاقات وتركت باب إصلاح ذات البين مواربا بل عبرت عن استعدادها لحل الأزمة دبلوماسيا ولم تنفذ أمر طرد السفير الكيني.. كينيا انزعجت كثيرا للإجراء السوداني وبعثت على عجل وزير الخارجية موسى ويتانجولا، وسبقت زيارة وزير الخارجية الكيني إلى الخرطوم تصريحات كينية تؤكد إمكانية استئناف قرار المحكمة، وقال موسيز ويتانجولا وزير الشؤون الخارجية الكيني إن حكومته "تعبر عن قلقها العميق من هذا الحكم الضار الذي أصدرته المحكمة العليا وستفعل ما في وسعها لحماية العلاقات".. مسؤول آخر بارز في وزارة الخارجية الكينية وهو باتريك واموتو قال: "هدفنا النهائي استئناف العلاقات الدبلوماسية حتى قبل تقديم الطعن في قرار المحكمة" لكن الإشكال أن إجراءات الطعن والاستئناف قد تستغرق عاما أو أكثر.. ويبدو أن نيروبي واقعة في ورطة كبيرة، فهي متأثرة بجماعات ضغط كينية وفي الوقت نفسه حريصة على عدم إغضاب الخرطوم، فذلك المسؤول البارز شدد قائلا وربما متوسلا: "لقد فاجأنا قرار المحكمة، لسنا في حرب مع السودان، مسألة الحصانة لرئيس دولة في السلطة لا خلاف عليها".. ومعلوم أن كينيا عضو في المحكمة الدولية الجنائية وعليها الالتزام بقراراتها وفي الوقت نفسه كان الاتحاد الإفريقي قد أبلغ أعضاءه بمن فيهم كينيا بعدم الالتزام بمذكرة الاعتقال الصادرة بحق البشير قائلا: "إنه لا يؤيد الإفلات من العقاب لكن المحكمة الجنائية لا تستهدف على ما يبدو سوى الزعماء الأفارقة". الخرطوم تعلم أن المحكمة الجنائية الدولية نفسها التي لا تملك أي آليات لتنفيذ قراراتها لأنها لم تستطع من قبل القبض على أحمد هارون والي ولاية جنوب كردفان ويرى محللون أنها كذلك ستبقى في شأن الرئيس البشير تطارد خيط دخان. لويس مورينو أوكامبو مدعي المحكمة والذي أصبح في مواجهة سياسية وليست قانونية مع حكومة السودان يتصف بصفات غريبة ليس من بينها العدل والنزاهة والحياد وهي الصفات الضرورية المفترضة في رجل القضاء والقانون، فهو شخصية متناقضة الأقوال والأفعال مضطربة الأفكار ومتهورة تدفعها النوايا السيئة.. كثير من اختصاصي القانون الدولي يرون أنه ليس من حق مجلس الأمن إحالة قضية تتعلق بسيادة الدول إلى تلك المحكمة. فالقضاء هو من سيادة الدول. فلا يجوز للمجلس أن يسمح لنفسه بإحالة هذه القضية إلى جهة خارجية مثل المحكمة الجنائية فضلا أن قراراتها غير ملزمة للسودان الذي ليس عضوا كما الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي لا تسمح لها بتوقيف جندي أمريكي واحد دعك من مسؤول بحجم رئيس دولة. بقي أن نشير إلى أن هذه المحكمة والتي تُعرف أحيانا بمحكمة الجزاء الدولية تلفها الشكوك والسمعة غير الحميدة فقد قال عنها محامون في بريطانيا خلال سنوات مضت إن سمعتها تمرغت بالوحل على مشهد من قبور ضحايا البوسنة. فقد أعلنوا أنهم يراقبون بقلق محاولات غربية لعرقلة محاكمة العنصريين الصرب والكروات الذين ارتكبوا مجازر بحق مسلمي البوسنة من قبل هذه المحكمة خلافا للقوانين والوقائع المعروفة.. تلك المحكمة المنوط بها تحقيق العدالة أنفقت من قبل نصف مليون يورو لتغطية فضيحة مدعيها أوكامبو مع الصحفية الجنوب إفريقية.. فالخطيئة تصنع جحيمها الخاص.. هذا هو أوكامبو الذي ظل يتقلب على آرائك الغفلة ويطلق تأوهات الموجوعين عن بعد. المدهش أن البرلمان الكيني سبق وأن صوت وبأغلبية ساحقة لصالح الانسحاب من تلك المحكمة.. ولدى الأفارقة قناعة متزايدة بأن المحكمة تنفذ (عدالة) الرجل الأبيض وهذا ما تستبين صحته يوم بعد يوم.. القادة الأفارقة هم وحدهم الذين تسلّط عليهم سيوف هذه المحكمة.. فهي أداة ضغط سياسي جديدة على الدول الصغيرة التي لا تنصاع لإرادة الدول الكبرى.. في هذه الجو الدولي المفعم بالظلم والإغواء، لن تصبح معايير العدالة واحدة على كوكب الأرض، ستبقى فلسطين المغتصبة معتدية وإسرائيل المعتدية مظلومة!!. لم يلتفت أحد من قبل إلى أبو غريب أو غوانتنامو أو إلى البطش والتنكيل في العراق وأفغانستان.. سيبقى سيف هذه المحكمة مسلطا على السودان فيما يبقى الضغط الإعلامي عليه متصلا.