14 سبتمبر 2025

تسجيل

أزمة لبنان باقية حتى بعد التمويل

03 ديسمبر 2011

قد يقول قائل: لقد أنقذ نجيب ميقاتي حكومته في اللحظة الأخيرة بعد أن مرّر تمويل حصة لبنان من المحكمة الدولية الخاص باغتيال رفيق الحريري، وهو الذي لوح بالاستقالة عدة مرات، وما خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في تأكيده على موقف الحزب في رفض التمويل للمحكمة رغم إرسال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حصة لبنان من التمويل إلا تأكيد على القبول الضمني أو رضوخ المضطر. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا قبل حزب الله أو أذعن لرغبة الرئيس نجيب ميقاتي؟ ومعلوم للجميع أن الحزب ما فتئ يكرر أن المحكمة لم يكن في نيتها الوصول إلى حقيقة من قتل رفيق الحريري ومعاقبتهم وإنما هدفها ملاحقة قيادات حزب الله وكشف تركيبته التنظيمية الداخلية وتعريته من حاضنته الشعبية في الداخل والخارج. وفي سبيل ذلك فقد حاول الحزب مراراً وتكراراً إقناع المجتمع اللبناني أن القاتل إسرائيل، وأن ما لديه من معلومات ووثائق يؤكد ذلك. وقد أبدى استعداده لتمكين المحكمة من الحصول على تلك الوثائق إلا أن المحكمة لم تستجب لذلك وقد عُلل في حينها أن ما كشفه حزب الله من أدلة ووثائق على فترات متقطعة لا تؤكد صحة ما ذهب إليه. يقول العارفون إن ميقاتي كان يعلم أن مخرجاً ما للأزمة قد يلوح في الأفق مع بدء العد العكسي لجلسة مجلس الوزراء نهاية الشهر الفائت التي كان من المتوقع أن يطرح ميقاتي عليها موضوع تمويل المحكمة للتصويت عليه. العارفون أيضاً بكواليس السياسة اللبنانية يرون أن التمويل وإن جرى على يد الرئيس نجيب ميقاتي فإن قراره كان داخلياً وإقليمياً وذلك للحاجة الضرورية لبقاء الحكومة اللبنانية تزامناً مع الصراع القائم بين المجتمع الدولي والجامعة العربية من ناحية وبين سوريا ومن يدعمها من دول وجهات من ناحية أخر، في وقت يضيق الخناق شيئاً فشياً على النظام السوري الذي يراهن الغرب أن أيامه باتت معدودة وأن الوقت المتبقي هو لتهيئة المعارضة السورية لاستلام الحكم دون أي خطر قد يلحق بسوريا أرضا وشعبا ودولة بعيد رحيل الأسد. وبناء عليه فإن موضوع التمويل يصبح تفصيلاً غير ذي قيمة إذا ما قارنا تداعياته بتداعيات انهيار النظام السوري على مصالح إيران وحزب الله. يضيف هؤلاء أن رغبة أمريكية أوروبية باستمرار حكومة نجيب ميقاتي حتى انقضاء الفترة الانتقالية في سوريا أو حلول موعد الاستحقاق النيابي في العام 2013، فالغرب يخشى من دخول لبنان مرحلة الفراغ السياسي من استقالة حكومة ميقاتي علماً أن قناعة يتقاسمها الجميع في الداخل والخارج أنه في حال استقالة حكومة ميقاتي فإن لبنان سيعجز عن تشكيل حكومة جديدة مما يسهل دخول لبنان في دوامة من الفوضى السياسية التي قد تستجلب فوضى أمنية لاسيَّما أن الرهان على تحويل لبنان إلى منصة لإرسال الرسائل الدولية يصبح أكثر جدياً. وتبعاً لذلك فإن الغرب يريد تفويت الفرصة على النظام السوري الذي سيعمل على استغلال لبنان لنقل الصراع من دمشق إلى بيروت في محاولة لإرباك المجتمع الدولي الذي يركز حالياً على حسم المعركة داخل الحدود السورية. في المقابل يرى آخرون أن مصلحة سوريا في بقاء حكومة ميقاتي لكسب التغطية الدبلوماسية والسياسية التي يحتاجها النظام السوري سواء في ملاحقة المنشقين والمعارضين السوريين على الأرض اللبنانية أو في كسب الدعم السياسي في رفض لبنان السير بالعقوبات العربية على سوريا. ولعل الأخطر بالنسبة للنظام السوري في حال رحلت حكومة ميقاتي أن تزداد عمليات التهريب للسلاح والمقاتلين إلى سوريا وفقاً لما يدعي أنصار النظام السوري في لبنان. ومن هنا جاء بقاء حكومة ميقاتي في لحظة تقاطع للمصالح بين خصمين لدودين دخل كل منهما في مرحلة الحسم. وإزاء هذا الوضع يصبح من السهل على حزب الله البقاء على حكومة ميقاتي والسير معه في تمويل المحكمة الدولية على أمل أن تكون الخسارة أقل ببقاء الحكومة من رحيلها.. وسواء صحت هذه التحليلات أو أخطأت فإن المرجح أنه لا شيء سيتغير في المشهد السياسي العام وإن جلّ ما يقوم به حزب الله هو تأجيل للأزمة وإن ضخ الأكسجين في رئة ميقاتي.