18 سبتمبر 2025
تسجيلكانت الجامعة العربية السباقة إلى اتخاذ تدابير سياسية ومن ثم اقتصادية قوية ضد سوريا. وما لبث وزير الخارجية التركية أحمد داود أوغلو أن أعلن يوم الأربعاء الماضي(30/11/2011) رزمة من العقوبات الاقتصادية ضد سوريا. ركّز الوزير التركي على نقطتين أن العقوبات لن تؤذي الشعب السوري. والثانية أن تركيا لن تقطع المياه عن سوريا. أولا يجب أن نسجل أن العقوبات التركية على سوريا تشكل سابقة في تعامل تركيا مع ملف دولة أجنبية، ولو كانت جارة، من خارج سياق المؤسسات الدولية. فتركيا ليست عضوا في جامعة الدول العربية ومصالح وثوابت الجامعة هي غير مصلح وثوابت تركيا. ومع ذلك أعلنت تركيا تضامنها مع جامعة الدول العربية في فرض هذه العقوبات. وإذا كان البعض يذكّر بالعقوبات الأوروبية فهي أيضا أتت تجاه سوريا وكل الدول الأخرى على أساس أنها قرارات صادرة عن الاتحاد الأوروبي وليس على أساس فردي. يلفت النظر أولا من بين قرارات داود أوغلو أنه أعلن وقف العمل بالاتفاقيات الإستراتيجية بين تركيا وسوريا. وتوصيف "الإستراتيجية" غامض ويمكن أن يشمل كل شيء. غير أن ما هو ثابت أن الاتفاقيات الأمنية والعسكرية الأساسية هي اتفاقيات إستراتيجية وكذلك اتفاقيات إلغاء تأشيرات الدخول. وما دام الأمر يتعلق بطريقة تحديد تركيا للاتفاقيات الملغاة وما دام "الضرب بالحديد حام" فيمكن حينها لسوريا أن تعلن أيضا إبطال العمل باتفاقيات لا تؤذيها ولكنها تؤذي تركيا. بمعنى أن جامعة الدول العربية عندما فرضت عقوبات معينة فقد حدّدتها بدقة في حين أن وزير الخارجية التركي ذهب إلى سقف مفتوح. هنا يقفز إلى الذهن مسألة الاتفاقيات الأمنية ولاسيَّما اتفاقية أضنة التي وقّعتها تركيا وسوريا في أكتوبر من العام 1998 والتي أنهت نزاعا بين البلدين حول حزب العمال الكردستاني. الاتفاق كان قضى بخروج زعيم منظمة حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجالان من سوريا. وهذا تفصيل. إذ إن الأهم هو التعاون الأمني الوثيق بين البلدين على امتداد السنوات اللاحقة. وبالفعل شكلت اتفاقية أضنة أساسا متينا جدا لزرع الثقة في العلاقة بين دمشق وأنقرة وقبل أن يأتي حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002. ولا شك أن تركيا كانت المستفيد الأول بل الوحيد من الاتفاقية إذ إن السلطات السورية طاردت عناصر"الكردستاني" واعتقلتهم ومنعت تواجدهم على الأراضي السورية بل حتى خارج الأراضي السورية. واليوم عندما تعلن تركيا أنها أوقفت العمل بالاتفاقيات الإستراتيجية لابد من التساؤل عن مصير اتفاقية أضنة. وهل هي بين هذه الاتفاقيات. وإذا لم تكن كذلك وأعلنت سوريا مثلا أنها ستوقف العمل بها فهل يحق لتركيا أن تعتبر الإجراء السوري عملا عدائيا بعدما قامت تركيا نفسها بوقف العمل بهذه الاتفاقيات الإستراتيجية؟ قبل إعلان داود أوغلو العقوبات سئل وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن اتفاقية أضنة فأجاب أن سوريا لا تزال ملتزمة بها. لكن السؤال هو وماذا عن مصيرها بعد عقوبات داود الأخيرة؟ النقطة الثانية في العقوبات التركية هي التي أعلن الوزير التركي أنها لن تحصل وهي قطع المياه عن سوريا. ومن قبلها كان وزير تركي يهدد بقطع الكهرباء عن سوريا. يبدو أن مسألة المياه لا تزال تتحرك وفق العقلية التركية القديمة.وبمعزل عما يجري الآن في سوريا فإن هذه المسألة التي تخص أيضاً العراق تحتاج إلى حل جذري يتجاوز "الترقيعات" وهي مشكلة موروثة منذ عهد الأحزاب العلمانية المتشددة ولم تشهد أي تقدم في عهد حزب العدالة والتنمية رغم إلحاحات بغداد ودمشق. وعدم الوصول أو رفض تركيا الوصول إلى حل، يستبطن دائما إمكانية استخدام المياه سلاحا في أية مواجهة مع سوريا بغض النظر عمن يكون حاكما في دمشق أو في أنقرة. وقد جاء إعلان داود أوغلو أنه لن يتم قطع المياه إنذارا إلى مثل هذه الإمكانية في حين أن المياه "حق طبيعي وقانوني دولي" لا يحق لأنقرة التلويح بها لا من بعيد ولا من قريب. وهي مسألة تذكّر اليوم وبشدة بمحاولات دول منابع النيل حصار مصر وخنقها وتعطيل دورها وفق مخطط عربي إسرائيلي مكشوف. إن التمييز بين الحقوق الدولية وبين مصالح محددة خاصة برجال السلطة في بلد ما هو أكثر من ضروري في هذه المرحلة لمنع تأسيس ثوابت على أسس واهية ما يفتح على اضطرابات وحروب يخرج مها الجميع خاسرين.