18 سبتمبر 2025

تسجيل

قناة الجزيرة.. رحلة 22 عاماً

03 نوفمبر 2018

بعد مرور 22 عاما على قيام قناة الجزيرة في نوفمبر 1996، شكلت وفرضت واقعا إعلاميا جديدا على المستويين الإقليمي والدولي. دوليا حجزت في وقت مبكر من انطلاقتها مقعدا متقدما بين نظيراتها الأمريكية والأوروبية وأضحت ندا قويا ومصدرا موثوقا به. أما إقليميا فلم تكتف عند موقع القيادة لنظيراتها العربيات بل أرست قواعد متينة لمشهد إعلامي عربي جديد وكانت بمثابة نيزك ضخم سقط في بركة الإعلام العربي الراكدة. لم تأت شهادات التفوق والمدح من قطر الدولة المؤسسة والحاضنة وإنما جاءت تلك الشهادات عابرة للحدود والمحيطات سطرها خبراء وسياسيون، وفوق ذلك كله، نسبة المشاهدة العالمية العالية التي تخطت أفق التوقعات. اليوم قناة الجزيرة ليست مجرد قناة إخبارية متميزة فحسب، وإنما غدت شبكة إعلامية مترامية الأهداف والنجاحات. وخرجت من رحمها قنوات متعددة ومتخصصة مثل الإنجليزية والوثائقية والجزيرة مباشر، إلى جانب مراكز متخصصة وموقع الجزيرة نت الإخباري الذي نتمنى أن يمضي قدما ولا يتأثر بأي سياسات تقشفية قد تهزم النجاح الذي حققه. وتأتي أهميته لكونه يمثل ما يعرف بالدراسات الإعلامية بالإعلام الجديد سلاح العصر الأكثر تأثيرا. من الضروري أن يستلهم الإعلام العربي، في معالجاته الإعلامية للقضايا القومية، التراث العربي الإسلامي العريق في مجال توثيق الخبر ونقله وشرحه والتعليق عليه، على أن يستفيد من كل المهارات والفنيات التي يتميز بها الإعلام الغربي في هذه المجالات. ونرى أن قناة الجريرة قد التمست سبيلا في هذا الصدد جديرا بالوقوف عنده تدبرا وتدارسا. والملاحظة الجديرة بالتأمل كذلك أن قناة الجزيرة اهتمت بترقية قدراتها في التعاطي مع الأحداث والتنبؤ بها وربط تفاصيلها الجديدة بالمحور الأصلي للحدث ومتابعة كل مستجد فيه، والاعتماد على التغطية الميدانية للأحداث الخبرية وفي ذلك ملامسة حقيقية للإنسان المنفعل بها. وخالفت «الجزيرة» نظيراتها العربيات في التركيز على النجوم وصُناع القرار السياسي، خاصة في ظل اهتزاز ثقة الشعوب العربية في قادتها، وعوضا على ذلك ركزت «الجزيرة» على الفرد العربي بغض النظر عما إذا كان من صناع القرار أو من النجوم، بالإضافة إلى الاهتمام بالأحداث التي يتجاهلها الخطاب السياسي الرسمي ونقلها إلى دائرة الضوء متخطية ما يعرف بالخطوط الحمراء. لقد مضت «الجزيرة» قدما في دعم الخطاب الإعلامي القائم على رفض جميع أشكال الهيمنة على مقدرات الأمة العربية ومحاولات إعادة رسم خريطة المنطقة وفقا لمصالح (إسرائيل) والدول الغربية. فضلا عن لعبها دورا مميزا في ترسيخ حق الشعوب العربية في حرية الرأي والتعبير، والقيام بمهمة استقصاء المعلومات والأفكار وضمان إذاعتها بكل شفافية، الأمر الذي يؤكد دورها في النهوض بمسؤولية الإعلام الدولي القادر على عبور الحدود الجغرافية والسياسية. ولا ينكر أحد مساهمة «الجزيرة» مساهمة فعالة في ترسيخ المشروع الثقافي العربي من خلال تعزيز التعبير باللغة العربية الفصحى. ومن المعلوم في إطار الدراسات أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين السياسات اللغوية لوسائل الإعلام وخدمة قضايا الهوية، وبالتالي من المهم توسيع نطاق استخدام العربية. ولم يعُد يخفى الدّور المتعاظم لأجهزة الإعلام ليس في تشكيل الرأي العام فحسب وإنما في صياغة حياة أفراد المجتمع بأكملها صياغة كاملة؛ تمشياً واستجابةً لنظم سياسية واقتصادية واجتماعية تنتظم المجتمع، ومع اتساع دائرة العولمة أصبح هذا الدور أكثر وضوحاً في صهر اتجاهات أفراد المجتمع وتشكيلها وصياغتها. وتحت ضغط تيار العولمة الكاسح تجتهد بعض الأجهزة الإعلامية في عالمنا العربي لأجل أن تؤسس لنفسها دوراً قومياً للتصدي لأخطار هذا التيار ومهدداته. والعولمة أو الثقافة العالمية ليست شيئا سوى الثقافة الغربية، أو هكذا يراد لها أن تكون ثقافة تُعمّم، وذوقاً واحداً يفرض على جميع البشر، تُلغى بموجبهما الاختلافات والتمايزات الحضارية. فباسم التعددية العالمية وباسم الثقافة الإنسانية يتم التعدي على الثقافات غير الغربية، وتجاوز الخصوصيات الاجتماعية، فهي كما ينظر لها البعض رديف البرجوازية الأوروبية.