15 سبتمبر 2025
تسجيللا نختلف على أن شبكة الإنترنت تغلغلت في مختلف مجالات حياتنا وتركت آثارا على أنظمتنا التربوية والاجتماعية، إذ قضت ثقافة الإنترنت على ثقافة التأمل وعمق المفهوم الثقافي ومحاولة الإبداع وتذوق الكلمة والمعنى وحلت محلها ثقافة مسطحة ومتواضعة، فلم يعد الشخص بحاجة إلى المعرفة واكتساب المعلومات والتميز عن أقرانه، فأي معلومة يبحث عنها تجده يتجه فورا إلى الإنترنت للحصول عليها دون التأكد من صحتها، لقد أسرف الأغلبية من أبنائنا في سوء استخدام هذه الثقافة رغم أن لها جوانب إيجابية ومضيئة وفرت علينا عناء أشياء كثيرة ما كان لنصل إليها بسهولة، من هنا فإن شبكة الإنترنت أثرت على المتلقي وصارت وسيلة متقدمة من وسائل التأثير والتلقي والدعم بالمعلومة والخبر وطبيعة الإنترنت المشتقة من طبيعة الحاسب هي السرعة والآنية، حيث تجد الجواب الشافي لكل سؤال والجواب هنا محدد بعكس البحث عن ذلك خارج مجال الإنترنت، فحالما يطلب الباحث معلومة معينة ويبحث عنها بالطرق التقليدية بالرجوع للمصادر والمراجع وبطون الكتب ويضني نفسه تعبا في الوصول للمعلومة المقصودة من خلال كل ذلك هو يمر بكثير من المعلومات ويتأمل فيها وتغذي معلوماته وتشبعه وتقوي أساسه من المواد والمعلومات والثقافة المتنوعة التي تعطيه مساحة للتأمل والفكر وترتيب الأمور وجدولتها وإعادة بنائها، لكن الحاصل مع الجيل الحالي الآن في البحث عن المعلومات عبر محركات البحث بالنسبة للإنترنت أو عبر برامج الحاسب المخزنة على الأقراص وأسطوانات الفيديو ذات السعات الكبيرة التي تسع مئات الآلاف من الكتب وكل المطلوب من الباحث هو إدخال بعض الكلمات ليصل لنقطة معينة، فلا شك أن الباحث سيجني الوصول السريع للمعلومة، لكنه سيخسر الحصيلة الكبيرة من المعلومات التي سيطالعها ويتثقف بها حال ما استخدم الطرق التقليدية من مصادر التلقي والتعلم نعم هذا هو الفرق لمن ينادون بالسرعة، فالسرعة هنا ليست ميزة، بل هي دفن لأشياء كثيرة تعتبر هي الرافد الأساسي لثقافة الإنسان، ومن ناحية أخرى أثرت الإنترنت على سوق النشر والمكتبات والصحف اليومية في الخارج لكن لم يلحظ لها أثر حتى الآن على سوق الصحف اليومية بالوطن العربي بشكل عام، وأثرت على المجلات والنشر عموما بما فيه الكتب وأثرت حتى على وسائل ترفيهية وأوعية تعليمية مثل التلفاز والفيديو والفضائيات وألعاب الفيديو وغيرها من وسائل الترفيه وقد تكون القراءة تأثرت من ناحية الكتب، لكن في الجانب الآخر انفتحت القراءة للكتب الإلكترونية المتوفرة والتي تشهد في مبيعاتها ارتفاعا وتزايدا وكذلك يتزايد تحميل الكتب المجانية على الإنترنت، بل زاد اقتناء أجهزة قراءة الكتب الإلكترونية المحمولة، فهي قراءة كتب لكن ليست ورقية بل إلكترونية، فالكتاب المطبوع والبحوث والدراسات لم يعد يفضل كثير من أفراد هذا الجيل متابعتها والاهتمام بها، نتيجة رغبة هؤلاء بالمعلومة السريعة والتحول إلى ثقافة الصورة وأساليب وطرق تبادل المعلومات التي كانت تسير باتجاه واحد أو من خلال انتقال المعلومات على مرحلتين بحيث أصبحت تتجه نحو المشاركة والتفاعل وربما المكافأة في تقديم المعلومات، لذا فإن من غير الممكن أن يتم الحكم على هذا الجيل من خلال كوة التاريخ الشخصي للجهد التربوي الذي عاشه الفرد قبل ذلك، علما بأن معطيات التقنية وتغير أساليب الحياة جعلت الشباب بل الأطفال يتقنون استخدام وسائل التقنية بشكل لا يتقن استخدامه نحن ورغم كل ذلك يبقى أن نعترف في النهاية أن ثقافة الإنترنت قضت على ثقافة التأمل وعمق المفهوم الثقافي وحلت محلها ثقافة مسطحة.. ثقافة معلومات تقدم من دون مسؤولية ويتلقاها الشخص كحقيقة لا جدال فيها، نحن بحاجة ماسة إلى إعادة تعميق مفهوم هذه الثقافة في ذهن الأجيال القادمة، وإلا فنحن على موعد مع عصر آخر لا يحمل جيله أي ثقافة وأي روح للإبداع.