19 سبتمبر 2025

تسجيل

أردوغان بين أوباما ورومني

03 نوفمبر 2012

تجري يوم الثلاثاء المقبل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. وإذا كانت هذه الانتخابات تستقطب اهتمام كل العالم كون الولايات المتحدة هي رأس النظام الدولي، رغم كل الجراح والكدمات التي أصابتها من جراء الأزمات المالية والمغامرات العسكرية الفاشلة من أفغانستان إلى العراق، فإن الاهتمام التركي بنتائج هذه الانتخابات يحتل مكانة خاصة نظرا للروابط التركية مع الولايات المتحدة. ومع أن الرابطة التركية مع أمريكا كانت من أبرز ثوابت الحرب الباردة غير أن انتهاء الحرب الباردة لم يخفف من متانة هذه الرابطة. ذلك أن المحيط الجغرافي لتركيا يشغل جزءا كبيرا منه كعالم تركي" يمتد من الادرياتيك إلى سور الصين كما كان يكرر الرئيس التركي الراحل طورغوت أوزال. وكانت المصالح المشتركة التركية- الأميركية تتطلب تعاونا ثنائيا لملء الفراغ السوفياتي في القوقاز وآسيا الوسطى والبلقان. وبمعزل عن نسبة نجاح هذا المسعى ،دخلت العلاقات بين الطرفين مرحلة جديدة مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا في العام 2002 وتصادف ذلك مع حدثين: وصول الجمهوريين قبل ذلك بعامين مع جورج دبليو بوش إلى البيت الأبيض وأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. وقد ترك هذان الحدثان أثرهما على العلاقة بين أنقرة وواشنطن بحيث شهدت العلاقات مدا وجزرا بل توترات أحيانا نتيجة تضارب الرؤية الجديدة لحزب العدالة والتنمية في تركيا بزعامة رجب طيب أردوغان وبتأثير من مستشاره حينها ووزير الخارجية الحالي أحمد داود أوغلو والتي كانت تولي أهمية للانفتاح على العالم العربي والإسلامي وفقا لنظرية "العمق الاستراتيجي". لذلك عرفت مرحلة أردوغان- بوش على امتداد ست سنوات من العام 2002 حتى انتهاء ولاية بوش عام 2008 طلعات ونزلات في شأن عدد كبير من القضايا. ذلك أن التوجه التركي نحو "العمق" العربي والاسلامي لم يكن على حساب التخلي عن "العمق" الأميركي والأطلسي بل حتى الإسرائيلي أيضا.وهذه ثابتة لم تتغير بتغير السلطة في تركيا من علمانية إلى عسكرية أو إسلامية. وهو ما يوجب أخذه في الاعتبار دائما لدى مقاربة السياسات والمواقف التركية في العالم. ويبقى غزو العراق الشوكة التي هزّت العلاقات التركية- الأميركية بسبب رفض البرلمان التركي مشاركة أمريكا في الغزو. ومع أن واشنطن حمّلت الجيش التركي مسؤولية أساسية في رفض المشاركة في الحرب غير أن هذه القضية انعكست سلبا على العلاقة بين أردوغان وبوش رغم أن أردوغان كان من مؤيدي المشاركة في الغزو واعترف لاحقا أن رفض البرلمان المشاركة في الغزو كان خطأ لأنه أبعد تركيا عن المشاركة في رسم مستقبل العراق. ومع ذلك أمكن ترميم الانكسار في العلاقات مع بوش لاحقا ولا سيما في مجال التعاون ضد حزب العمال الكردستاني وما يسمى "الاسم المعتدل" المصطلح الذي أشاعته واشنطن عن حزب العدالة والتنمية التركي. وعندما حصلت انتخابات الرئاسة عام 2008 كان الهوى الرسمي في أنقرة واضحا لجهة تفضيل وصول باراك أوباما للتخلص من رواسب ما تركته فترة بوش الإبن. منذ أربع سنوات والعلاقات بين حكومة أردوغان وإدارة أوباما ممتازة في مختلف الموضوعات. بل وصف الرئيس التركي عبدالله غول العلاقات مع واشنطن بأنها لم تكن يوما بهذا القدر من الجودة والتعاون. وغالبا ما كان أردوغان وأوباما يتبادلان الاتصالات الهاتفية فضلا عن اللقاءات المباشرة. بل كانت تركيا أول بلد مسلم يزوره أوباما ويطلق منه أول خطاب موجّه إلى العالم الإسلامي. ولم تتنافر العلاقات بين البلدين في معظم القضايا. بل كانت تركيا شريكة للولايات المتحدة في الهجوم الأطلسي على ليبيا للإطاحة بمعمر القذافي وكان أردوغان على تنسيق دائم مع أوباما بشأن تطورات"الربيع العربي". ورغم التعاون الكامل بين أنقرة وواشنطن بشأن الملف السوري ودعم المعارضة السورية سياسيا وعسكريا غير أن الاندفاع التركي للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد بسرعة، وبقوة التدخل الخارجي العسكري إذا لزم الأمر، كان مسألة خلافية رئيسية بين أنقرة وواشنطن وهو ما جعل أردوغان يتحدث ،مَرّة، بتهكم عن أوباما. وإذا عرفنا أن التحدّي الأكبر الذي يواجه أردوغان هو في سياسته الخارجية تجاه سوريا فإن نجاح أوباما واستمراره في سياسته تجاه سوريا قد لا يريح أردوغان الذي يريد التخلص من الأسد بأي ثمن. وهذا لا يعني أن أردوغان يتمنى فوز المرشح الجمهوري ميت رومني لأن الجمهوريين عموما كانوا يسببون لتركيا من مشكلات وخسائر أكثر مما يقدمون لها من مكاسب وغزو العراق من أكبر الأمثلة على ذلك. تفضل سلطة حزب العدالة والتنمية اليوم فوز أوباما الذي نسجت معه علاقات وتفاهمات واضحة في كل المجالات، ولا تفضل مفاجآت ومغامرات وحماقات وتوريطات الجمهوريين، لكن إذا كان رومني يوفر فرصة للتخلص من النظام السوري فلن يكون أردوغان،على الأرجح، حزينا.