19 سبتمبر 2025

تسجيل

نقاط "لإخوان" على حروف المجد

03 نوفمبر 2011

 في تقدم كبير لـ"الإخوان المسلمون" فاز حزب النهضة التونسي بأكثر من 90 مقعدا من مجموع مقاعد الجمعية التأسيسية الـ217 في الانتخابات المشهودة الشفافية التي أجريت هناك يوم 23 / 10 والتي شارك فيها %90 من الناخبين التونسيين المسجلين حسب لجنة الانتخابات والمراقبين الدوليين.. هذا النصر يأتي بعد عشرات السنين منذ الاستقلال كان حظ الإسلاميين فيها المنع والحظر والتضييق والملاحقات الأمنية ومحاربة الفكر وتجفيف المنابع الدينية وتسخير كل مقدرات الوطن في ذلك المالية والإعلامية.. لكن الأكثر شدة وضنكا على الحزب وأنصاره كانت في عهد الساقط الهارب " ابن علي " الذي وصل به الأمر ألا يدخل الناس إلى المساجد إلا ببطاقات ممغنطة وأن يقوم أئمة المساجد بدور ضابط الأمن في متابعة التنفيذ.. هذا النصر يأتي في ظل تقدم الإخوان المسلمين وفكرهم وأحزابهم وأنصارهم في أكثر من بلد عربي وإسلامي في شكل المقاومة والثورة أو بالانتخابات والعمل السياسي، ويأتي في ظل مراجعات كثيرة وكبيرة بدأت تقوم بها نظم أخرى لم تسقط بعد ولكنها تحاول تجنب المصير الذي آل إليه أصحابهم في تونس ومصر وليبيا.. هذا النصر – وكما يعلم المتابعون العارفون - ليس طفرة وليدة لحظة، ولا هو مجرد موقف عاطفي من الناخبين، ولا هو – كما يزعم بعض خصوم الإخوان – ردة فعل وهروب من واقع سيئ إلى متوقع سيئ أو إلى سوء يراهن على إمكانية إصلاحه.. ولكنه ثمرة تراكم تضحيات مديدة في عشرات السنين ظل فيها الإخوان المسلمون الوحيدين الذين تلتقي على مطاردتهم والتضييق عليهم كل النظم بيساريها ويمينيها، وهو ثمرة إنجازات حققوها رأتها الأمة وجربتها، وثمرة سلوك مستمر ومتواصل من النزاهة المشهودة لشخوص وفاعلية هذه الجماعة، وثمرة الفكر الوسطي الذي تتبناه عن قناعة وفهم للإسلام لا عن ضرورات وقهر واضطرارات، والذي بقدر ما يؤصل على النص ومنطوقه وحذافيره بقدر ما يتحرك في ظلال النص ومفهومه واجتهاداته ومرونته.. ضروري التذكير هنا بأن " الإخوان المسلمون " لا يزالون ينطلقون اليوم في السراء وعلى أبواب التمكين بذات الشعارات التي عملوا بها في الضراء ومنذ الانطلاقة قبل ثمانين سنة.. دون أن يغيروا حرفا واحدا.. ذلك يعني أنهم حققوا الإنجازات وأقنعوا الشعوب لا على حساب ثوابتهم وأفكارهم ولا بمغادرة الوسطية التي ميزتهم.. وفي هذا المقام وفي ظلال هذه النقلة النوعية لا بد من كلام يقال ومن حقائق تثبت.. وأقول: الذين توقعوا منذ عشرين سنة أواخر القرن الماضي أن الإسلام قريبا سيحكم لم يقولوا ذلك لأنهم يعلمون الغيب ولا لأنهم يخطون في الرمال أو يقرأون النجوم.. وليس لأنهم أئمة مساجد، ولا لأنهم مسلمون متطرفون ولا لأنهم إخوانيون منحازون ولا لأنهم من أتباع ابن لادن المتهمين بالخيالية وعدم الواقعية.. ولكن لأنهم أهل السياسة ولأنهم قرأوا الواقع ورصدوا الخط البياني للمتغيرات وحللوا الأحداث بعينٍ على الماضي وأخرى على المستقبل، فلمسوا الحقائق بطريقة موضوعية أوصلتهم لهذه التوقعات.. أما نحن المسلمين فالنصر والتمكين لأهل الدين وأهل الحق بالنسبة لنا إنما هو جزء من عقيدتنا وإيماننا وثقتنا بموعود الله تعالى رغم أنف المتأنفين وعنوة عن كيد الكائدين.. وصدق الله العظيم إذ يقول: (والله متم نوره ولو كره الكافرون). البعض كان يسأل باستنكار واضح وظلم فاضح: أين الإخوان المسلمون؟ ماذا فعل الإخوان المسلمون؟ آخرون كانوا يقولون متجاهلين ما تحت يد الخصوم من أسباب وجاهلين سنن الله تعالى في ابتلاء الأحباب: لو كان الإخوان على الحق ما تأخر عنهم النصر حتى الآن؟ بعض آخر من الإسلاميين المستعجلين الذين يغرقون في ثنائية " الأبيض أسود " و " والسلم والحرب " من الأفكار والمواقف كانوا أحيانا أقسى على الإخوان من الخصوم والأعداء البعيدين إذ يقولون: إن منهج الإخوان المسلمين هو من الليونة والإرجاء العقدي (أي عدم القوة في المواجهة والمفاصلة مع المخالفين) ما لن يمكنهم من التغيير في هذا الزمن المليء بالفتن والمختلط الاتجاهات.. نعم لقد تحقق للإخوان المسلمين اليوم بصبرهم وحكمتهم وطول نفسهم أمان يحسدهم عليه كثيرون من المستعجلين، ولا يطمح إليه كثيرون من أهل المجاملات والتزلفات.. وهو يذكرنا بالرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سأل مرة: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبَدَ الدَّهْرِ نَحْنُ خَائِفُونَ هَكَذَا، مَا يَأْتِي عَلَيْنَا يَوْمٌ نَأْمَنُ فِيهِ وَنَضَعُ فِيهِ السِّلاحَ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَنْ تَغْبُرُوا إِلا يَسِيرًا حَتَّى يَجْلِسَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ فِي الْمَلأِ الْعَظِيمِ مُحْتَبِيًا لَيْسَتْ فِيهِ حَدِيدَةٌ " تغبروا: أي تجاهدوا وتتعبوا. ليست فيه حديدة: أي آمنا لا يحتاج سلاحا ولا يحمله. أما اللادينية والفراغ والعبثية واللاشيئية التي أرادها لنا أعداء الأمة بديلا عن الإسلام وسخروا لها كل أسباب التغلب ولا يزالون، فإنما هي نبتة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار وإنما هي باطل لا ينتعش إلا في غيبة أو غفلة الحق.. هنا نتذكر قول الحق تبارك وتعالى: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون..). نعم لقد جاءت جولة الإسلام (وتلك الأيام نداولها بين الناس) لقد صار الرجوع للإسلام اليوم ظاهرة عامة في كل بلاد المسلمين.. وهو ما يحتم - في ضوء هذا الرواج والألق – على العاملين للإسلام من كل الألوان والأطياف وبالأخص " الإخوان المسلمون " لمكانهم ومكانتهم من التغييرات الجارية أن يراجعوا وأن يحدثوا حصيلتهم من فهم طبيعة المواجهة وقوانينها وسننها، ومواضع العزيمة والرخصة منها، وأن يرجعوا بالدراسة والبحث على خططهم ووسائلهم للإصلاح ومعالجة ما اعترى العقول من إصابات مست الواقع الإسلامي كله ومست علاقة الأخوة بين أطياف وألوان العمل الإسلامي، لأن صورة الإسلاميين وطرحهم واحد أو هكذا يريد الناس أن يروه.. لقد صار على البعض - الإسلاميين - الذين غرقوا في التنظير ولم يحصدوا إلا نجاحات محصورة والذين أقاموا في سياق ما يسمح به الآخرون والذين لم يحققوا شيئا أصلا، والذين ازدادت عزلتهم أو أساءوا لصورة الإسلام أكثر مما أحسنوا بجهالة أو استعجال.. لقد آن لكل هؤلاء أن يجروا مراجعة حقيقية وشاملة للفكر والسلوك والعلاقات والأهداف والممارسات التي كانت المرجح للإخوان عليهم.. إن كانوا بالفعل يريدون الحق لا ذواتهم ولا رواج أشخاصهم.. هذا يجب أن يكون ويجب أن يكون بعيدا عن الحساسيات الفئوية والمبالغات. بقي أن نقول: إن على " الإخوان المسلمون " أن يحسنوا فهم أمور لا بد من إحسان فهمها ؛ ومنها: 1- أن ما حققوه أو ما تحقق لهم من نصر لا منّة لأحد غير الله تعالى فيه.. بالتالي فلا مجاملة على حساب المنهج ولا استحياء من تقرير ثوابت الأمهات بقدر ما لا يجوز فقدان المرونة والواقعية ومسلكية التدرج في الآليات والوسائل والتكتيكات 2- أن جزءا من النصر الذي تحقق لـ" الإخوان المسلمون " إنما ينسب إلى أخطاء وخطايا ومفاسد النظم التي عارضوها ما يعني أن عليهم مسؤولية عملية عالية لتوفير البديل الذي طالما تحدثوا عنه وليس أمامهم إلا أن ينجحوا في مواجهة ذلك.. 3- أن الكثير مما كان يجري بين " الإخوان المسلمون " داخليا أو يتحرك بينهم سريا سوف يصبح أقرب إلى الصحف وإلى الرأي العام من فم قائله ومن أذن سامعه، وسوف يصير عرضة للتأويل والتجيير وسوء التوظيف والتفسير.. بالتالي فإن عليهم أن يطوروا أدوات الشورى والتداول الداخلي، وأن يوسعوا نظرتهم لتشمل كل الوطن وكل القطاعات والتلاوين، وكل العناوين السياسية والوطنية والمذهبية.. وأن يغطوا أكبر مساحة ممكنة من التوافق مع المخالفين.. آخر القول: "الإخوان المسلمون " بشر يصيبون ويخطئون وربما بل بالتأكيد يؤخذ وسيؤخذ عليهم بعض موقف أو فكرة.. ولهم معارضون وأعداء ومنافسون.. ومع ذلك قد فازوا وانتصروا وها هي البلاد تدب بدبيبهم وما ذلك إلا لما يمتازون به من الإيمان والعملانية والمنهج الوسطي (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض) وأما خيبة العلمانية وفشل الجاهلية ومصرع كيد الكافرين.. فما ذلك إلا الضلال الموعود لكل من تنكب الطريق (وما كيد الكافرين إلا في ضلال)..