11 سبتمبر 2025

تسجيل

المثقف بين العزلة والتميز

03 أكتوبر 2023

تتباين العديد من الآراء حول ماهية المثقف، وطبيعة الدور الذي يؤديه، سواء كان لذاته، أو لمحيطه المجتمعي، بكل ما يضمه من أفراد ودوائر متعددة. تباين الآراء حول الوظيفة التي ينبغي أن يؤديها المثقف تجاه نفسه وفضائه الواسع من جمهور ونوافذ متعددة، أمر شغل الكثيرين ردحًا من الزمن، وكان موضعًا لجدل امتد عبر العديد من الأطروحات والمنتديات واللقاءات، ما أدى إلى اشتباك الكثير من الفعاليات والمنصات الثقافية مع هذا الجدل، وصولًا إلى تعريف محدد لماهية المثقف، والدور الذي ينبغي أن يؤديه، فيكون نافعًا لذاته، مفيدًا لمجتمعه. ولعلنا هنا نتوقف عند ما كتبه المفكر الرحل إدوارد سعيد عن دور المثقف، إذ إنه بعد طرحه للعديد من التساؤلات حول طبيعة هذا الدور في كتابه «فرويد وغير الأوروبيين»، خلص إلى أن المثقف «دائم التساؤل»، وأن «دوره يكمن في استعادة الأصوات الخرساء». ويبدو جليًا أن إدوارد سعيد من خلال الرأي السابق، يرفض الصوت الواحد، ويشجع في المقابل، المثقف بأن يكون له أصوات متعددة، يجعلها تشكل حراكًا ليس لذاته فقط، وإنما لمحيطه وواقعه أيضًا. وهنا، ينبغي التمييز بين نوعين من المثقفين، لنصل إلى المثقف، الذي يقف في مرحلة وسطى بينهما، إذ هناك من المثقفين من يفرض على نفسه عُزلة ثقافية، وبين آخر يشعر بأنه المثقف المميز، الذي لا بديل عنه، ولا غنى عن إبداعه، فيتسبب نتيجة هذه الحالة في تدمير ذاته الإبداعية، فينصرف عنه جمهوره، ولا يستفيد منه واقعه. وفي المقابل، فإن هناك من المثقفين، من ينكفئ على ذاته، فيفرض عليها حالة مزاجية، تشعره بأنه ليس هناك في عالم الإبداع سواه، فيعيش في برجه العاجي، فلا يرى سوى نفسه، ولا يسمع غير صوته، ولا يكتب إلا لدائرته الضيقة، فيفرض على إبداعه عُزلة مصطنعة، لا يعرفها غيره، فيكون بذلك ضارًا لنفسه، أكثر من ضرره لمحيطه. ولسنا هنا في سياق تعظيم سلطة المثقف، أو التهوين من دوره، بقدر حرصنا على الوقوف فيما ينبغي أن يكون، لنصل إلى بيت القصيد، وهو الحديث عن المثقف الفاعل في محيطه، ما يجعل له دورًا، يستطيع أن يبدع من خلاله، سواء كان ذلك عبر نظمه لقصيدة شعرية، أو ما يسرده بقلمه، فينسج حبكة روائية، أو عملًا قصصيًا، أو ما يرسمه بريشته، فينتج لوحة فنية، أو يطرح إنتاجًا فكريًا أو مشروعًا معرفيًا، فيلامس من خلال ذلك كله قضايا واقعه، ما يجعله فاعلًا في إحداث الوعي المنشود، والإصلاح المأمول.