14 سبتمبر 2025
تسجيلكما كانت "ديمقراطية الأنياب" وليدة بيئة الاستبداد المصري حيث "الديمقراطية الأنيابية" بدلا عن "النيابية"!!.. فإن الاستبداد المصري العريق قد استحدث هذه الأيام ديمقراطية أخرى أخطر بكثير من ديمقراطية الأنياب وهو "ديمقراطية الدم" والتي تعبر بوضوح ودون تجمل عن الديمقراطية التي يقوم بتأسيسها الجنرال الجديد وهو ما لاحظه العالم كله منذ 3 يوليو حيث شيوع وانتشار "الدم" في شوارع وميادين بل ومساجد مصر بصورة غير مسبوقة فضلا عن مقرات الأمن الوطني ومراكز الشرطة والمعتقلات ومراكز تدريب الأمن المركزي التي كانت ولازالت مركزا لإدارة عمليات التعذيب والقتل خارج القانون.وإذا كانت "ديمقراطية الأنياب" قد حكمت مصر منذ كامب ديفيد حيث بدأ السادات يضيق بالمعارضة ويرفض أي نقد ويلعن كل ناصحيه سواء كانوا من مصر أو العالم العربي أو الإسلامي حتى أعمل أنيابه وأنياب ديمقراطيته في قراره الأخير باعتقال كل رموز وقادة المعارضة والعمل السياسي في مصر في خريف 1981م.. فإن مبارك هو الذي حاز النصيب الأوفر والزمن الأوفى في تطبيق تلك الديمقراطية والتي حكمت مصر لمدة ثلاثين عاما.ومن حظ بلادنا أن تنتقل بعد ذلك "لديمقراطية الدم" أو ديمقراطية الأنياب والأظافر والسنج والمطاوي والسيوف ومواسير الحديد - حيث الاستخدام الأوسع لجيش البلطجية في تأسيس الديمقراطية الجديدة منذ 3 يوليو- فضلا عن استخدام الرصاص والدبابات والطائرات التي أصبحت متلازمة مع هذه الديمقراطية.. ومن الطريف أن ذلك قد تم أيضا في ظل علاقات متميزة مع الكيان الصهيوني حتى أنك لا تخطئ لو قلت إن القضية الإسرائيلية قد أصبحت هي قضية النظام المركزية !!ولما انبرى أحد مدعي الثقافة لتبرير هذه الدموية ومحاولة شرعنتها وربطها بالتحول الديمقراطي كان من الطبيعي أن تتوافق كيميا الرجل مع كيميا مصاصي الدماء الجدد فما كان من رأس النظام إلا أنه أكد أنهما يعملان على موجة واحدة وأن هذه الديمقراطية الدموية هي ديمقراطية مصر في الحقبة الأخيرة من حكم العسكر فاختاره وزيرا للثقافة بعد أن نما إلى علمه ما "نم" به "نمنم" في اجتماعه السري الخطير الذي فضحه التسريب.وبرغم أن مصطلح "ديمقراطية الدم" يعد حديثا على قاموس المصطلحات السياسية إلا أنه في الحقيقة يعبر عن الحالة المصرية فيما بعد 3 يوليو ومنذ أكثر من عامين.. فالجنرالات يعيشون منذ ثورة يناير حالة من الرعب والخوف الشديد من انقراض نظامهم الذي وفر لهم علي مدى أكثر من ستين عاما امتيازات لم يكونوا يحلمون بها لدرجة أنه أسس لهم طبقة جديدة أصبحت تحتكر إلى جانب السلطة أهم منابع وموارد الثروة في مصر وجعل مصر كلها إقطاعا خاصا بهم بعد أن ألغوا الإقطاعيات السابقة عقب 1952م.ولهذا جاء انقلابهم محملا بعنف غير مسبوق ودموية لم تعرفها مصر على طول تاريخها ولم يكن هناك أي داع لهذه الدموية أو هذا العنف نظرا لطبيعة الشعب المصري الهادئة والمتسامحة إلى أبعد الحدود، فضلا عن القطاعات الواسعة المتواكلة بطبيعتها وطبيعة البيئة المتوحشة التي حاصرها بها الانقلاب..ولا يخفى على المحلل للأهداف التي يسعى إليها الانقلاب أن يلاحظ تلك المحاولة الحثيثة لتجديد دماء النظام التي تجمدت وشرايينه التي تصلبت وذلك بعد حكم جاوز الستين عاما ومن ثمّ وجدنا أنفسنا أمام محاولة تدشين حقبة جديدة للحكم العسكري تحافظ على تماسكه واستمراره.فالمتابع لطبيعة حكم الجنرالات منذ 1952 يجده لم يواجه أي عقبات مثل التي بدأ يواجهها منذ ثورة يناير حيث تمت فضيحة النظام وكشفت مؤامراته وفساده على مدى ستين عاما وبدا فشله في كل المجالات، وهو ما أوصل البلاد إلى هذه الوضعية المتدنية في كل شيء سواء على مستوى العدالة الاجتماعية أو الحياة الديمقراطية أو الكرامة الإنسانية، فضلا عن تأقزم دور مصر على المستوى الإقليمي إضافة إلى رائحة فسادهم التي زكمت الأنوف.ولهذا لم يعد أمام النظام للاستمرار في الحكم فضلا عن تدشين حقبة جديدة سوى المواجهة الدموية المفتوحة مع الشعب ولم يعد يمتلك وقودا لدبابته سوى من هذا السائل الأحمر الذي يسمونه دماء بشرية لهذا فقد جاء تعبير نمنم عن الديمقراطية الدموية في وقته وفي مكانه!! كما جاء اختيار نمنم كاشفا عن البرنامج السري للسيسي والذي كان البعض يحاول استنتاجه قبل تعيين نمنم!!