20 سبتمبر 2025

تسجيل

هل أصبحت حماية المدنيين في سورية جريمة دولية؟

03 أكتوبر 2011

ما أن رحل شهر رمضان المبارك عن السوريين وهو جد حزين من فرط القمع الوحشي الذي رآه في كل بؤرة من سورية وعلى كل شريحة في المجتمع دون أي اعتبار لقدسية أيام الصيام وليالي القيام حتى ليلة القدر أصبحت ليلة الدماء والأشلاء، حتى أتى شهر شوال الذي هو أول أشهر الحج، حيث ينتقل المسلمون من عبادة إلى عبادة أخرى حالين مرتحلين، فإذا بلهيب الظلم الطاغي الباغي على المتظاهرين العزل وعلى بقية الشعب يشتد قتلا وتعذيبا واعتقالا لم يسلم منه حتى الشيوخ والنساء والأطفال وحتى الشجر والحجر والدواب، وها نحن نشهد من بدء شهر ذي القعدة امتداد هذه النيران واحتدادها في كل موقع وموضع حتى طالت مدارس الأطفال بجنسيهم وهوجم الطلاب والطالبات بل الأساتذة والمعلمات بآلة القمع الذي لا يعرف أسودها إلا الشقاوة والقساوة والتعاطي البربري الدموي مع الشعب، حتى ظن البعض أن المحتجين ومن معهم سيتراجعون عن مظاهراتهم وأن صوت هدير المدافع بل والطائرات والراجمات والرشاشات سوف يسكتهم، وكم راهن النظام الأسدي منذ البداية على ذلك، ولكنه خاب ظنه فالشعب قال كلمته ألا عودة عن مناصرة الحق، والثوار مازالوا يهتفون: نحن لا نستسلم ننتصر أو نموت وكم ألهبت حادثة قتل الشهيدة زينب الحصني في عاصمة الثورة السورية حمص صدور الجماهير فازدادت التظاهرات في طول سورية وعرضها كماً ونوعاً. ولكن مع قراءة الواقع المر الذي يضغط على الناس أمنياً واقتصادياً ومع استفحال الجرائم ضد المدنيين بكل أشكالها الرعيبة جدا فقد لاحظنا مؤخرا عشرات اللافتات في المظاهرات تناشد المجتمع الدولي ضرورة الحماية للمدنيين وممتلكاتهم، إذ بات الخطب جللا، يتعمد النظام إنزاله بالمنتفضين السلميين وذويهم ومن يلوذ بهم قريبا أو بعيدا مقتلا معتقلا مشردا سارقا راسما الحسم الأمني بالقمع الشديد خريطة طريق له بهدف تغيير موازين القوى السياسية بين نظامه الفاشي وثورة الحرية والعدل لترجيح كفته على كفة المظلومين، وإذ هو السلطة اللاإنسانية التي تحكم شعبها فلا يخطر على باله أن الله تعالى كرم بني آدم أيا كان (ولقد كرمنا بني آدم....)، "الإسراء: 70"، وبعلاقة الشريعة الإسلامية بالقانون الدولي الإنساني نجد الآخر موافقا لحماية المدنيين، مؤكداً على حرمة الآدمي ضد أي جريمة تهدد السلم والأمن وتثير قلق المجتمع الدولي معتبرا أن الاهتمام بهؤلاء المدنيين من أولى الأولويات، مؤكدا حق النظر في احترام الذات الإنسانية وما تملك ولذا كان نابليون – ومع كونه محتلا – قد وجه رسالة إلى الملك فرانسيس كما أشار هنري دونان يقول له: أطلب من جلالتكم الاستماع إلى صوت الإنسانية! ونحن في زمن السلطة السورية التي لا تعرف إلا صوت النار والدمار وتقتل الأبرياء بمعظم جيشها وأمنها الخائن العميل، مدعية أنها تسير على درب التقدم والمقاومة والممانعة ناسية أن أوروبا اليوم التي أراد وزير خارجيتنا المعلم أن يمحوها من الخريطة إنما حققت أهدافها في الرقي والازدهار لما طبقت قانون الإنسانية على شعوبها مؤخراً بالرغم مما كانت قد شهدت من الحروب قبل ذلك مستلهمة وصية جان جاك روسو: إن قانون الأمم لا يجيز امتداد الحرب والغزو إلى المواطنين العزل المسالمين. ولكننا – وفي هذا الصدد – نريد أن نؤكد على حرص الإسلام في تشريعه حماية المدنيين وأن له السبق في ذلك قبل خمسة عشر قرنا، فقد قال جمهور فقهاء المسلمين بذلك مستندين إلى الروايات الصحيحة عن أبي بكر وعمر بن الخطاب وابن عباس ومجاهد وعمر بن عبدالعزيز ممثلين لهؤلاء المدنيين بالنساء والرسل والرهبان والسوقة كالتجار والأجراء والفلاحين – وكذلك الصبيان والشيوخ والزمنى – المرضى بعلل مزمنة – وحجة الجمهور عدة أدلة أولها القرآن الكريم بقوله تعالى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، "البقرة: 190". فالآية تنهى عن الاعتداء على غير المقاتلين كالنساء والصبيان والشيوخ وشبههم، وثانيها الحديث الشريف ففي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي خرجه أبوداود كما في عون المعبود 7/274 عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله للجيش "انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة"، وثالثها: إجماع الصحابة فقد نقل القرطبي المفسر في الجامع لأحكام القرآن 2/349 ذلك معتمدا على وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه ليزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهم وفيها: إني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا نخلا ولا تحرقها ولا تخربن عامرا ولا تعقرن شاة ولا بقرة إلا لمأكلة ولاتجبن ولا تغلل" رواه الإمام أحمد في المسند وانظر في الوسيط في القانون الدولي العام ص 234 د. عبدالكريم علوان. وتأمل أن كل ما جاء النهي عنه اقترفته السلطة السورية في حق شعبها تماماً حتى قتلت الحمير، أقول: وهذا ما فعله القرامطة منذ أكثر من ألف سنة، حيث قتلوا الدواب في حماة ومعرة النعمان والسَلَمية كما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية. أما رابع الأدلة فهو المعقول فالعقل أصل الشرع ولا يمكن للعقل أن يؤدي إلى إفساد العالم بقتل وإيذاء المدنيين وأعيانهم وإنما هو يسعى إلى الإصلاح ونفع الناس كما جاء في حاشية رد المحتار 3/225 لابن عابدين وانظر كذلك كتاب الجهاد وأوضاعنا المعاصرة للأستاذ حسان عبدالمنان المقدسي من ص 237 ففيه زيادة تفصيل ولكنني أقول بعد ذلك إن مشروعية حماية المدنيين وقبولها حتى من غير المسلم، إذا دعت الحاجة إلى ذلك وهي اليوم داعية لأنها غير قضية التدخل العسكري جائزة سواء كان المجير من أهل الكتاب كحماية النجاشي ملك الحبشة للمهاجرين من الصحابة وقد كان نصرانيا وقتها قبل أن يسلم أو كان المجير مشركا كأولئك الذين عاد المسلمون إلى مكة بحمايتهم عندما رجعوا من الحبشة التي كان ملكها لا يظلم عنده أحد، أو كأبي طالب عم الرسول، حيث حمى ابن أخيه محمدا فاستفاد من دفاعه بل منع من اعتداء العشيرة عليه، وكذلك دخل الرسول صلى الله عليه وسلم في حماية المطعم بن عدي المشرك لما رجع إلى مكة عائدا من هجرة الطائف حين ردته قبيلة ثقيف، انظر الهجرة في القرآن لأحزمي سامعون ص 290 والسيرة النبوية د. علي الصلابي ص 202 وعلى هذا فإن طلب المتظاهرين والشعب في سورية الحماية الدولية للمدنيين من قبل الأمم المتحدة أمر مطلوب ومشروع لأنه قضية إنسانية عامة لا علاقة له بطلب تدخل عسكري لنصر طرف على آخر وليس من مهمة المراقبين الدوليين العمل على إسقاط النظام بل حماية المدنيين وهو حق تقره جميع الشرائع، فكيف لا يلجأ إليه لمواجهة نظام يستخدم بشكل لا قانوني ولا إنساني كل وسائل القمع ويقترف الجرائم المروعة ضد الإنسانية بما فيها انتهاك الحرمات واغتيال الأساتذة الأكاديميين كما جرى في مدينة حمص إن هذا النظام إن لم تقم الحماية للمدنيين سوف يعزز إجرامه السلطوي كما ذكر غسان مفلح في مقاله في السياسة الكويتية 8 سبتمبر 2011 ولذلك فإنه يمنع الحماية والغوث ولجان التقصي للحقوق كما يمنع الإعلام الحر. وإذا كان شرع الإسلام يدعو إلى حماية الذميين تحت حكمه، أفليس المسلمون وغيرهم في سورية بأمس الحاجة إلى هذه الحماية من غير المسلمين إذ كدنا نيأس من أن تفعل البلاد العربية وجامعتها والبلاد الإسلامية شيئا إن ذلك لابد منه للناس والمدن على غرار ما حدث مؤخرا وللأسف من حماية بعد حرب التطهير العرقي في البوسنة والهرسك وفي الشيشان وغيرها بعد المقابر الجماعية التي اكتشفت وكم من المقابر الجماعية في سوريا في القرن السالف وهذا القرن، ولا ننسى ذلك عند القذافي، أفتنتظر الأمم المتحدة حتى يصير المدنيون إلى هذا المصير، انظر القضايا الدولية د. حسن أبوغدة ص 226 إذا انشق ضباط وجنود شرفاء من الجيش ليحموا المدنيين ولا يظلوا مع المجرمين لدك المدن على أهلها كما حدث في الرستن حيث قتل المئات من المدنيين وهدم أكثر من مائتي منزل وأحرقت حتى مقبرة الموتى وتم تجويع الناس حتى عن الخبز والدواء بل نهبوا المنازل ولا تنس مثل ذلك في تلبيسة والحولة وسرمين وقبلها في حماة المجاهدة، حيث فر منها بداية رمضان أكثر من ثلاثمائة ألف مدني، ناهيك عن القتلى وعن اغتصاب واختطاف النساء وخاصة في حمص، حيث قالت المتزوجة الحصان أم عبدالله اقتحم خمسة من الشبيحة البيت وسألوها ما اسم ابنك الصغير هذا قالت عبدالله قالوا: هذا عبد بشار وماهر، ثم تناولوها بالاغتصاب متحسرة إنها ليست الأولى وقد لا تكون الأخيرة ونحن نعرف أن القانون الدولي بقواعده واتفاقيات جنيف عام 1949 والمضاف إليها عام 1977 تؤكد أن العنف الجنسي محظور والاغتصاب والدعارة جريمة حرب وكذلك الأطفال، ففي الرستن أعدم أول أمس السبت عشرون طفلا، فأين المادة الرابعة من اتفاقيات جنيف التي تنص على عدم إعدام الأطفال بل حمايتهم من كل أذى، وماذا نقول عن انتهاكات الأعيان المدنية، خاصة دور العبادة التي قصفوها وشربوا السجائر فيها ومزقوا المصاحف وألصقوا الصور العارية في المحراب وماذا نقول عن العبث بالجثث والأشلاء التي نص القانون في المادة 17 عليها وكذلك إسعاف الجرحى في المادة 30 وهم يقتلونهم أما عن المعتقلين فحدث ولا حرج عن قتل بسبب التعذيب أقول وإذا كان القانون الدولي يجيز الدفاع كذلك عن النفس فلا علينا إلا أن نفعل ونحن نرى العالم يقف مع الجلاد ضد الضحية!. [email protected]