12 سبتمبر 2025

تسجيل

داعش ومعضلة الاستقرار الأمريكي

03 سبتمبر 2014

لا شك في أن الاستقرار هو أحد أهم أهداف أي دولة عظمى بما في ذلك الولايات المتحدة بطبيعة الحال. فالاستقرار يوفر البيئة اللازمة للاستمرار في تحصيل المكاسب التي يتيحها الوضع المهيمن، فسواء كان الحديث عن ضمان التدفق الآمن للنفط، أو حماية "حق" إسرائيل في الوجود، أو ضمان استخدام المجالات الجوية والمائية، فإن الاستقرار يبدو حاضراً بقوة في كل هذه الملفات. ولا يتعارض هذا مع كون عائدات صادرات الأسلحة (بوصفها أهم أدوات صناعة الفوضى) إلى الكثير من مناطق العالم الملتهبة تمثل نسبة هامة من عوائدها، ففي النهاية فإن سياسة تغذية الصراعات لا تتقدم على سياسة الحكومات الأمريكية الأهم القائمة على ضمان الوصول الآمن لمصالحها.ولذا فإن الحديث عن أن ظهور تنظيم الدولة المعروف إعلاميا بداعش هو ترجمة لمخطط أمريكي بهدف نشر الفوضى في منطقة تعج بالمصالح الأمريكية هو حديث لا يتسق مع القواعد البسيطة للمنطق. صحيح أن هناك جاذبية في تفسير ظاهرة صعود التنظيم برمتها وفق نظرية المؤامرة، إلا أن عدم توافر الدليل الكافي على ذلك يجعل من الصعوبة بمكان التعويل على هذه النظرية لفهم ما يجري.فالمنطق ينص على أنه لا يوجد من يستطيع التحكم في الفوضى، التي تعني بحكم التعريف غياب النمط وعدم القدرة على التوقع. كما أن المنطق البسيط يذهب إلى أن تفتيت الكيانات السياسية للدول القائمة لا يخدم أغراض الولايات المتحدة، فاختفاء الدولة كمشروع سياسي مهادن للهيمنة الأمريكية يفتح الباب أمام تشكيلات سياسية متمردة قد لا تمتلك الولايات المتحدة خططا جاهزة للتعامل معها.المعضلة الأمريكية أنها رغم تصنيفها للاستقرار كأولوية إلا أن سياساتها تؤدي غالبا إلى تناقص المقدار الكلي منه، ذلك أن الاستقرار الذي سعت إليه الولايات المتحدة منذ بداية انخراطها في شؤون المنطقة في أعقاب الحرب العالمية الثانية كان استقراراً مصطنعاً، يتم فرضه بالقوة المباشرة أو عن طريق المساعدة في تدبير الانقلابات.ورغم أنه في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر ظهر بوضوح أن هذا النمط من الاستقرار لا يحقق المقصود منه، إلا أن الإدارات الأمريكية من الواضح أنها لا تجيد سوى هذا الأسلوب من أساليب التدخل. وعليه فإنها في مواجهة تحدي تنظيم الدولة من المتوقع أن تستمر في محاولتها للتغيير من أعلى إلى أسفل عبر ضربات جوية تنفذها بنفسها أو عن طريق وكلائها الإقليميين.وتبدو المعطيات الإقليمية ظاهريا في صالح الإدارة الأمريكية، فعلى خلاف مرحلة الحرب الباردة، حينما تجاوبت معها فقط بعض الأنظمة فيما انضمت أنظمة أخرى إلى الطرف السوفيتي، تضمن الولايات المتحدة في هذه الأزمة تحالف كافة الأنظمة الإقليمية معها، وخاصة الأنظمة المعتدلة التي يمثل ظهور تنظيم الدولة هاجسا وجوديا لها.ومن ناحية أخرى فإن التحدي الحالي يضع حلفاء الولايات المتحدة من الأنظمة العربية وإسرائيل في نفس الجانب، ما يعني أن إسرائيل - على الأقل في هذه المرحلة - لن تشكل ذلك العدو الذي يتعين على الولايات المتحدة أن تلطف من ممارساته العدوانية، وإنما ستبدو بالنسبة للأنظمة المتوجسة من داعش كحليف تمكن استشارته والتنسيق العلني معه. ولكن رغم ذلك فإن ثمة صعوبة حقيقية ستواجه الولايات المتحدة وهي بصدد محاولة وقف تمدد التنظيم، ألا وهي مواجهة قطاعات واسعة من المتعاطفين معه، ممن يرون أن التشدد في مواجهة الغرب هو واجب الوقت، وأن لغة السياسة لم يعد لها ما يبررها، في ظل الانتهاكات الأمريكية في العراق، ثم في ضوء السكوت المخزي لها عن السياسات الطائفية التي اتبعها سياسيون عراقيون يحظون برضاها، ومقارنة ذلك برد فعلها الخجول إزاء نظام بشار في سوريا وتمنعها عن دعم المعارضة أو تزويدها بالسلاح. ومن ناحية أخرى فإن الجاذبية التي تثيرها فكرة الخلافة التي أعلن عنها تنظيم الدولة، وأسلوب الإدارة المرن الذي يطبقه التنظيم في المناطق التي "يحررها"، تروق لكثير من المواطنين، مقارنة بنمط حكم إدارتي بشار والمالكي، ما يدفع بالكثيرين منهم إلى دعم تنظيم الدولة وحشد الولاء له. وحتى بعيدا عن الموالاة أو الدعم فقد أصبح الكثير من المواطنين معتمدين بشكل كامل على التنظيم في الحصول على احتياجاتهم، إلى الحد الذي دفع البعض إلى النظر إلى تنظيم الدولة كجزء من معادلة الاستقرار الإقليمي. وهذا ما سيجعل من التنظيم رقما صعبا في إطار المعادلة الأمريكية التقليدية القائمة على فرض الاستقرار بالقوة.