07 أكتوبر 2025
تسجيليعيش العالم هذه الايام حالة من الترقب حيال امكانية توجيه ضربة عسكرية امريكية لنظام الاسد، والتي لا تخلو في مشهدها من التشويق والشد والجذب احيانا وكذلك وجود بعض المفارقات والتناقضات الغريبة، فمن الناحية القانونية والاخلاقية يصاحب هذه الضربة العسكرية الكثير من الجدل في الاوساط الغربية والدولية حول مدى مشروعيتها، كما تواجهها الكثير من العراقيل في هذا الصدد، حيث لا يخفى على احد سكوت الولايات المتحدة الامريكية والمجتمع الدولي في الماضي عن استخدام نظام صدام حسين في العراق للاسلحة الكيميائية اكثر من مرة ضد ايران خلال حرب الـ 8 سنوات بينهما، وكذلك استخدامه لهذه الاسلحة ضد شعبه من الاكراد في مدينة حلبجه، ولم يحرك وللاسف العالم ساكنا على الاطلاق في ذلك الوقت، كما ان الولايات المتحدة الامريكية نفسها ربما تكون قد استخدمت هذا السلاح المحظور دوليا في السابق وذلك خلال حربها ضد فيتنام، وإن كانت لا توجد ادلة قطعية تدل على ذلك. إن من يقرأ هذه الامور يبدأ بالتشكك في احتمال وجود ازدواجية ما في المعايير لدى الولايات المتحدة الامريكية والمجتمع الدولي بشكل عام تتعلق باستخدام هذا السلاح غير الشرعي دوليا، إلا انه وفي المقابل هناك نظرة اخرى تقول إن العالم اليوم يختلف كثيرا عما كان عليه في حقبة الثمانينيات، فالعالم اليوم اكثر عدالة ومصداقية!! وهنا يرد اصحاب النظرة الاولى فيقولون ألم يستخدم نظام الأسد نفسه الكيماوي (ولو بشكل اضيق) من قبل حوالي 14 مرة خلال العامين والنصف الماضيين ضد شعبه في مناطق مختلفة من سوريا ولم يحرك العالم ساكنا؟! باستثناء طبعا بعض الدول التي وقفت مع المظلوم مثل دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها قطر وكذلك تركيا وتونس ومصر مرسي، والتي حاولت جميعها لفت انتباه العالم لما يفعله الاسد بشعبه من جرائم بشعة ولكن وللاسف لم يعرها العالم اي اهتمام. لقد قرر العالم حظر استخدام اسلحة الدمار الشامل ومنها الاسلحة الكيماوية، وجاء بروتوكول جنيف الموقع عام 1925 ليحرم الهجمات بالأسلحة الكيماوية بعد ما رأى العالم من فظائع هذا السلاح المدمر خلال الحرب العالمية الاولى، وهو ما جعل الرئيس الامريكي باراك اوباما يضع استخدام هذا السلاح كخط احمر للاسد في النزاع الحالي في سوريا، ولكن هذا يجعلنا نقول: أليس قتل اكثر من 100،000 شخص مدني في سوريا جراء استخدام الاسلحة التقليدية يعد اكثر دمارا ودموية من قتل 1500 شخص جراء استخدام السلاح الكيميائي اخيرا؟؟ لا اعلم صراحة مدى منطقية وضع هذا الخط الاحمر للاسد خصوصا وان المتابع للنزاع في سوريا يعلم انه ومنذ التصريح بهذا الامر من قبل الرئيس الامريكي، قام النظام السوري الاجرامي بالتفاني في استخدام جميع انواع الاسلحة التقليدية مثل البراميل المتفجرة والقصف بالطائرات والصواريخ البالستية، لعلمه بأن العالم يسمح له بقتل الابرياء بهذا السلاح، ويعطه الضوء الاخضر لاستخدامه. ومن المفارقات الاخرى ايضا ان العالم اجمع ينتظر التقرير النهائي للمفتشين الأمميين في سوريا لحسم موقفهم تجاه توجيه ضربة عسكرية للاسد، مع العلم ان مهام المفتشين تقتضي التأكد من استخدام اسلحة كيميائية في النزاع، وليس تحديد الجهة المسؤولة عن هذا الاستخدام، وهو ما يجعل التقرير صراحة ليس ذو اهمية كبيرة خصوصا بعد مشاهدتنا للصور القادمة إلينا عبر وسائل الاعلام المختلفة من غوطة الشام الشرقية والتي تؤكد موت الكثير من الابرياء ومن بينهم الاطفال والنساء بدون قطرة دم تذكر وذلك اثر استنشاقهم لغازات سامة يعتقد انها غاز الاعصاب "السارين"، وذلك بعد القصف المعترف به من قبل النظام في سوريا بالاسلحة التقليدية لهذه المنطقة. كذلك من التناقضات الاخرى في هذا الملف الشائك، قول الغرب بأن الضربة العسكرية المحتملة ستكون بسيطة ومحددودة الاهداف، وان القصد منها فقط الرد على استخدام النظام السوري للاسلحة الكيميائية، وهو ما يعد امرا غير منطقي على الاطلاق خصوصا في ظل محاولة بريطانيا والغرب اعطاء غطاء شرعي لتلك الضربة المحتملة تحت بند "حماية المدنيين"، وذلك لأن اي ضربة عسكرية بسيطة ربما يقابلها رد فعل عنيف من قبل الاسد على المدنيين السوريين وهو ما يزيد من معاناتهم وليس حمايتهم. اما بخصوص تحديد الجهة المسؤولة عن استخدام السلاح الكيماوي والذي يعد امرا غاية في الاهمية في هذا الموضوع، فإنه لا يخلو من الجدل الواسع ايضا، فالغرب يقول إن النظام هو من استخدم هذا السلاح المحظور ضد شعبه، وفي المقابل نفى النظام السوري اي استخدام للكيماوي في النزاع، ثم عاد ليقول إن المعارضة هي من استخدمت هذا السلاح في الغوطة الشرقية، ووافقه الرأي في ذلك كل من روسيا وايران، وهذه الاتهامات المتبادلة وبدون شك تعقد الامور وتجعلها اكثر تداخلا لمن يحللها، فبحسب نظرية الدوافع لا توجد دوافع منطقية للنظام السوري لاستخدام الكيماوي خصوصا في ظل تواجد المفتشين الدوليين على اراضيه، كما ان المعارضة لو كانت تملك مثل هذه الاسلحة الفتاكة لكانت ومن باب اولى استخدمتها ضد قوات النظام والمناطق الخاضعه لسيطرته خلال العامين والنصف الماضيين من النزاع وليس ضد المناطق التي تقع تحت سيطرتها. موجة أخيرة.. لا يمكن ان يمر استخدام السلاح الكيماوي وبهذا المستوى الواسع دون عقاب يذكر من قبل المجتمع الدولي.