11 سبتمبر 2025

تسجيل

منظمة فور شباب وتداول السلطة

03 أغسطس 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); كان لي شرف الحضور في المؤتمر السنوي السابع لمنظمة فور شباب العالمية، بعنوان: "واقعنا المعاصر كيف نفهمه ونعيشه؟" في مدينة إسطنبول في التاسع والعشرين من شهر يوليو لعام 2016، هذه المنظمة التي يقودها باقتدار الداعية السعودي الدكتور علي العمري، منذ تأسيسها قبل عشرة أعوام تقريبًا، وتهتم بتوعية الشباب وتثقيفهم. وقد حضر في هذا المؤتمر العديد من المفكرين والعلماء، وكان على رأسهم فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، الذي كان أكثر شبابًا وحيوية في كلمته الجامعة التي حثّ الأمة فيها على معرفة واقعها وكيف تفهمه وتعيشه. ودعا فضيلته الشباب للعمل؛ فالله خلق الإنسان ليكون عاملا "لا نائمًا" ولا رهبانية في الإسلام، وعندما فهم المسلمون هذه الحقيقة كانت الدنيا لهم. وأكّد أنه لابد أن نستخدم أبناءنا لنعرف كيف نستفيد من أوطاننا، وكيف يعمل أبناؤنا لمصلحتنا، وكيف لا يسخرهم الآخرون ليقتلوننا. ومما لفت نظري أثناء الكلمة التمهيدية التي تحدّث فيها الدكتور علي العمري في افتتاح المؤتمر عن واقعنا المعاصر في نقاطه العشر، أنه في نهاية كلمته أعلن تنحيه عن قيادة المنظمة طواعية، واختيار قائد جديد لقيادة المسيرة من بعده، رغم أنه لا يزال شابًا في الثالثة والأربعين من العمر، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على وعي هذا الرجل النافذ، وأنه يؤمن بتداول السلطة بشكل سلمي وطوعي، وهذه لفتة مهمّة وذكيّة في هذه المرحلة. فأكثر ما نعاني منه الآن في عالمنا العربي هو التشبث والتمسك بالسلطة، مهما كلّف ذلك من تضحيات، وتُهدر كرامة الشعوب من أجل استمرار الحاكم في موقعه، ويتظاهر الكثير منهم بأنه يطبِّق الديمقراطية، ولكن للأسف، ديمقراطية مغشوشة مزورة بسلطة القوة، وإذا تمّ انتخاب رئيس بشكل ديمقراطي نزيه، يتم الانقلاب عليه، بحجج واهية، كما حدث في مصر. ويظن البعض أن استمرار الحاكم لعقود طويلة دليلًا على الاستقرار الذي تسعى إليه جميع الدول والحكومات، من أجل خلق مناخ ملائم للتنمية الاقتصادية، والاستقرار الاجتماعي والأمني، وجذب الاستثمار. أقول: هذا الكلام في مجمله غير صحيح، إلا إذا تم التجديد للحاكم من خلال مسار ديمقراطي طبيعي بالرجوع إلى الشعب الذي له حق اختيار حكّامه. ولكننا نلحظ أنه في الغالب يستمر الحاكم ويفرض سيطرته، باستخدام القوة المفرطة، والتلاعب بالرأي العام، بالوسائل المختلفة، ومنع التعبير عن المصالح الاجتماعية الحقيقية. ففي هذه الحالة لا ينبغي الحديث عن الاستقرار ولكن عن أزمة تداول السلطة أو أزمة التداول على السلطة. وهذه الأزمة تعبر عن إخفاق النظام في القيام بوظائفه، في التعبير عن التوازن الفعلي للمصالح الاجتماعية المتعددة، وتتجسد في الاختناق والانسداد وما ينجم عنهما من تفاقم للتوترات والتناقضات، واحتدام للصراعات العلنية أو الدفينة تحت سطح الاستقرار الشكلي. وهذا يدفع بالكثير من الشباب، للأسف، إلى استخدام العنف كوسيلة للخروج من الأزمة، طالما أن المسار الديمقراطي أصبح لا يعبّر عن رغبة الجماهير. ومن ثمّ نجد أن الاستمرار في الحكم بالقوة، أو استمرار حكم القوة يتحول من صراع على تداول السلطة والمسؤولية إلى حرب مواقع ونفوذ داخل الفضاء الاجتماعي، يسعى من خلالها الطرف الحاكم إلى تأكيد حضوره في الميدان ليس عن طريق ما يحققه من إنجازات للمجتمع، فهذا ممتنع عليه بسبب انشغاله بالحرب، ولكن من خلال انتصاره على الخصم. وبالمثل لا تستطيع المعارضة أو القوى الثورية أن تعبّر عن نفسها وتتجاوز تهميشها إلا من خلال ما يمكن أن تسببه من مشاكل، وتحمله من تهديدات للنظام. وهو ما يمكن أن نلحظه أيضًا في مستوى العلاقات الدولية التي تسيطر عليها اليوم الإدارة الأمريكية تجاه الأطراف الأخرى المهمشة أو التي تريد تهميشها. إن ما نراه في كثير من دول العالم من استقرار وتقدم ورفاه وأمن، هو في ظني نتيجة حسم شعوب تلك الدول لقضية السلطة وتداولها من خلال الاتفاق على تقاليد وأعراف وقيم تضمن لكل فئات المجتمع الوصول إلى السلطة بشكل سلمى وبصورة عادلة ومرضية، بعد قرون من اعتماد مقولة لويس الرابع عشر (أنا الدولة والدولة أنا).