19 سبتمبر 2025
تسجيلما أشبه الليلة بالبارحة، وكأن التاريخ يعيد نفسه بعد 1430 سنة.. هذا ما جال بخاطري وأنا أتابع ساعة بساعة مجريات حرب الإبادة على غزة مع اقترابها من نهاية أسبوعها الرابع.. فالحرب على غزة تشبه من وجوه كثيرة حرب كفار قريش وحلفائها من غطفان وبني أسد وسليم مع يهود بني قريظة على المسلمين في المدينة، فيما عرفناه في التاريخ بغزوة الأحزاب أو غزوة الخندق. وللشبه بين الغزوتين وجوه كثيرة، وإن اختلفت بطبيعة الحال أسلحة القتل والتدمير، ووسائل النقل والاتصال ما بين الأولى والثانية. ويتركز الشبه بينهما في عدة وجوه نلحظها بسهولة عند متابعة ما يجري من تطورات على النحو التالي: 1-إن الحرب الأولى كانت بتحريض سافر من يهود بني قريظة لقريش وحلفائها من أجل مهاجمة المسلمين في المدينة والقضاء عليهم، قبل أن يشتد ساعدهم - وقد لاحت بوادر ذلك- في انتصار المسلمين في غزوة بدر، وصمودهم في غزوة أحد، وإجلائهم ليهود بني النضير عن المدينة. أما حربنا اليوم فهي بتحريض مكشوف من بعض قبائل العرب ليهود إسرائيل على احتلال قطاع غزة والقضاء على الفئة الصامدة الصابرة من أهلها في مواجهة إسرائيل، وهي حماس وفصائل المقاومة الأخرى، وذلك بعد أن اشتد ساعد حماس والمقاومة وصمدت في وجه العدوان في جولتين سابقتين عامي 2009، و2012.2-إن الصحابي الجليل سلمان الفارسي، قد اقترح على الرسول الكريم حفر خندق حول المدينة ليحمي المسلمين من جبروت القوة الزاحفة عليهم.. وقد توصلت حماس ومن معها، إلى أن اختلال ميزان القوة العسكرية والبشرية لصالح إسرائيل، يستدعي حفر أنفاق تحت الأرض لحماية بُنية المقاومة وتجهيزاتها وقياداتها، ولتمكينها من مباغتة العدو في مناطق متفرقة إذا ما فكر في التقدم داخل القطاع. وربما جاءت فكرة الأنفاق من تجربة حرب المقاومة في لبنان ضد إسرائيل.3-إن يهود بني قريظة، كانوا في عهد أمان مع المسلمين في المدينة، ولكنهم نقضوا العهد بقرارهم التحالف مع كفار قريش ومن حالفها. وفي زماننا هذا كانت إسرائيل، قد عقدت اتفاقات هدنة مع حماس برعاية مصرية، ولكنها خرقتها بذرائع وحجج غير صحيحة، كان آخرها قتل ثلاثة مستوطنين في الخليل، واتضح بعد ذلك أن لا علاقة للفلسطينيين بقتلهم، فضلاً عن أن تكون حماس هي الفاعلة.4-إن الله كان مع المسلمين في المدينة ونصرهم بجند من عنده حيث ألقى في قلوب الذين كفروا الرعب والخوف والوهن، وأرسل عليهم ريحاً شديدة، اقتلعت خيامهم، فتفرقوا مذعورين خائفين. ولا نشك لحظة اليوم في أن الله مع حماس والمقاومة، حيث ألقى في قلوب اليهود الذعر فلم يجرؤوا على دخول القطاع خوفاً من القتل أو الأسر. وقد استمعت بالأمس إلى نقاش بين نفر من اليهود على إحدى قنواتهم الفضائية منقولاً مع الترجمة إلى العربية بواسطة قناة الأقصى، وقد طالب أحدهم بالاستفادة من هذا الظرف الاستثنائي الذي يقف فيه أهل غزة بمفردهم، مع دعم غير مسبوق من عدة دول عربية، ومحاصرة مصر لهم، فكان الرد بأن لا أحد في مجلس الوزراء المصغر قد وافق على هكذا اقتراح باعتبار أن نتائجه وخيمة، من حيث قتل مئات الجنود والضباط، وجرح الآلاف، وتكبيد الميزانية مليارات الشيكلات، فضلاً عن أنه ليس لديهم طاقة استيعابية في السجون لاعتقال كل جند المقاومة وقادتها. 5-إن غزوة الأحزاب قد تمت في شهر شوال ولمدة 3 أسابيع، بينما العدوان على غزة قد تم في ثلاثة أسابيع من رمضان، وامتد حتى الآن أسبوعاً آخر في شوال. وحدثت الموقعة الأولى في السنة الخامسة للهجرة، بينما تحدث غزوة اليوم في السنة الخامسة بعد 1430 سنة سبقتها للهجرة.6- إن المسلمين رغم تمترسهم خلف الخندق إلا أنهم فقدوا ستة شهداء برمي النبال في مقدمتهم الصحابي الجليل سعد بن معاذ.. وأما في موقعة الأنفاق فقد استشهد ولاشك عدد محدود من المقاتلين، وإن كانت جماهير الشعب قد قدمت حتى الآن آلاف الشهداء والجرحى ولكن ذلك كله ندرجه ضمن تضحيات شعبنا، كما ضحت شعوب أخرى كالجزائر وفيتنام. وعزاؤنا في هذا المقام قول المولى عز وجل:" أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله، ألا إن نصر الله قريب". والحديث بعد ذلك واضح في التنبؤ بما يحدث اليوم:" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: "بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ".وتظل بعد ذلك كلمة لابد منها وهي أن هذا مقال سياسي، وإن كان للسياسة تأثير على الاقتصاد فشعبنا لكي يصمد لابد له من مقومات صمود وفي مقدمتها الدعم المالي، والحديث واضح وصريح من جهز غازياً فقد غزا.. فلا تبخلوا على إخوانكم بالدعم المالي حتى يصبروا ويصابروا ويرابطوا، وافعلوا الخير لعلكم تفلحون.