11 سبتمبر 2025

تسجيل

ماذا تريد الأنظمة العربية من إعلامها؟

03 أغسطس 2013

إن السلطة في الوطن العربي وفي سائر الدول النامية تنظر إلى وسائل الإعلام كوسائل لتثبيت شرعيتها وبسط نفوذها وتمرير خطابها السياسي بغض النظر عن طموحات وهموم الجماهير. وهي بذلك مازالت بعد لم تستطع بناء نظام مؤسساتي مستقر ولم تستطيع أن تحقق المشاركة السياسية الفعالة داخل المجتمع، وفي الكثير من الدول العربية ينعدم المجتمع المدني تماما. وكنتيجة لكل هذا فإن معظم الدول العربية فشلت كذلك في إقامة وبناء جهاز إعلامي فعال يؤمن بتوفير الاتصال الأفقي ويعمل على إدماج مختلف الشرائح الاجتماعية في العملية السياسية والاقتصادية والثقافية. ولهذا نتجت النظرة الضيقة للإعلام على أساس أنه أداة من أدوات السلطة تستعمل في آليات وعمليات الحكم والسيطرة.و تجدر الإشارة هنا إلى أن الإعلام التنموي والفعال والأفقي لا يتأتى إلا بالديمقراطية والأجهزة المؤسساتية المختلفة التي تلعب بدورها دور المراقب والمعارض والمشارك في العملية السياسية وفي صناعة القرار. ونظرا لهذه النظرة الضيقة ولتسلط الحكومات وأنانيتها فلقد تميز الإعلام العربي بما يلي: * سيطرة الطابع الرسمي على الرسالة الإعلامية حيث نلاحظ التغطيات المكثفة لكل ما هو حكومي وقطاع عام ورسمي. * سيطرة الأداء الإعلامي الروتيني حيث تغطية نفس المناسبات ونفس القطاعات وإهمال اهتمامات الجماهير وانشغالاتها. * يتميز الإعلام العربي بأحادية الاتجاه حيث أنه يتدفق من الأعلى إلى الأسفل، من السلطة إلى الجماهير من دون مشاركة المستقبل في عملية رجع الصدى أو المشاركة في العملية الإعلامية. والتدفق الأحادي يؤدي بطبيعة الحال إلى التكرار والروتين واعتماد وجهة نظر واحدة ورأي واحد وفلسفة واحدة وهذا على حساب التعدد والاختلاف الموجود في المجتمع. * ضعف الاحترافية والمهنية في معظم وسائل الإعلام العربية خاصة المرئية منها وهذا كنتيجة للتركيز على الرسميات دون الارتقاء بالمهارات الفنية والإبداعية وهذا نظرا للرقابة والسلطة وهاجس تنفيذ الأوامر من دون مناقشة وإبداء الرأي. * الرقابة والحذف الذاتي حيث أن التحكم الرسمي في وسائل الإعلام بطريقة أو بأخرى أدى إلى نمو ما يسمى بالرقابة الذاتية عند الصحافي في الوطن العربي مما قتل روح الإبداع والابتكار عند القائم بالاتصال وهذا بطبيعة الحال أدى إلى ضعف الأداء وتبني الشعارات والكلمات الرنانة على حساب الحقائق والواقع. * اتساع الهوة بين الجماهير والإعلام بحيث إن الإعلام إذا فشل في إدماج الجماهير وتمثيلها أحسن تمثيل لدى السلطة والدفاع عن مطالبها ومصالحها، فإنه يهجر من قبل الجمهور وتضعف مصداقيته وتأثيره. * انعدام المصداقية وإشراك الجماهير في العملية الإعلامية يؤدي إلى هجرة وسائل الإعلام الوطنية والمحلية والتوجه إلى الإعلام الخارجي حيث أن المستهلك يتفاعل هنا مع طريقة مختلفة للطرح والتقديم والتحليل. * ضعف إدارة المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي حيث التركيز والاهتمام بالدرجة الأولى على كسب رضا السلطة ثم تحقيق الربح أو ضمان المعونة الحكومية بغض النظر عن اهتمامات ومشاغل وهموم الشرائح العريضة في المجتمع. أضف إلى ذلك أن في الكثير من الدول العربية المشرفون على المؤسسات الإعلامية لا يفقهون شيئا في الإدارة والتسيير أو لا يعلمون أبجدية العمل الإعلامي ويكون القائم بالاتصال في هذه الحالة هو الضحية والضحية الأكبر بطبيعة الحال هي الجماهير. ونتيجة لضعف الإدارة بطبيعة الحال تنعدم تقاليد العمل الإعلامي المحترف وتنعدم قيم الاحترافية الإعلامية وتسود سياسة ملء الفراغ بالمضمون المقبول الذي لا يزعج ولا يسبب مشاكل. * ضعف الإنتاج كما وكيفا واعتماد التلفزيونات العربية على استيراد المادة الإعلامية والثقافية المعلبة التي قد تكون في معظم الأحيان غريبة وبعيدة كل البعد عن عادات وتقاليد وهموم واهتمامات الجماهير. * ضعف الأبحاث والدراسات الإعلامية في الوطن العربي حيث إن القائم بالاتصال والمؤسسة الإعلامية لا تملك في معظم الأحيان البيانات والإحصاءات والمعطيات الضرورية لتطويع الرسالة والمادة الإعلامية بما يلائم اهتمامات الجمهور المستهلك وفي الكثير من الأحيان لا تعرف المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي هل هي تساهم في عملية التغريب أم التهميش أم الإدماج والتسييس أم السيطرة والتحكم أم ماذا؟ * انعدام الرؤية الإستراتيجية المستقبلية والسياسات الإعلامية الواضحة والثابتة حيث نلاحظ على سبيل المثال أن الدول العربية قاطبة اهتمت بموضوع القنوات الفضائية واقتناء التكنولوجيا ولم تتأخر عن مواكبة تكنولوجية الاتصال، والغريب في الأمر أن ساعات البث التلفزيوني تضاعفت أما الإنتاج فقد تراجع مما أدى بطبيعة الحال إلى تحول هذه القنوات الفضائية إلى صناديق بريد توزع ما تنتجه استوديوهات هوليود وطوكيو ومومباي غيرها من الشركات العالمية للصناعات الثقافية. إن تحديات القرن الحادي والعشرين والتناقضات السالفة الذكر التي يعيشها الإعلام العربي كلها تحتم على الأنظمة العربية ضرورة مراجعة إستراتيجياتها وفلسفتها تجاه الإعلام. ونقطة البداية هنا تتمثل في ضرورة النظر إلى وسائل الإعلام وإلى الجهاز الإعلامي بنظرة إيجابية تخدم المجتمع ككل وليس السلطة لوحدها وهذا لا يتأتى بطبيعة الحال إلا بتغيير وجهة نظرنا إزاء المواطن العربي حيث ضرورة النظر إليه كفاعل ومشارك ومساهم ومرسل وليس كمنفذ وتابع ومستقبل فقط. كذلك يجب علينا أن نقر حق الجماهير في التواصل والتفاعل مع وسائل الإعلام المختلفة وهذا لا يتأتى إلا بالعمل المؤسساتي الجمعاوي وعن طريق الجمعيات بمختلف أشكالها وأنواعها سياسية كانت أم اجتماعية أم ثقافية أم اقتصادية...الخ. و من أهم مستلزمات الإعلام القوي والفعال في أي مجتمع حرية التعبير وحرية الرأي وحرية الوصول إلى المعلومات، هذه المستلزمات يجب أن نعمل على توفيرها وعلى اكتسابها كسلطة وكقائمين بالاتصال وكمثقفين وباحثين ووسطاء ثقافيين...الخ، ومن دون هذه المستلزمات فإنه لا يحق لنا الكلام عن المجتمع المعلوماتي والثورة الاتصالية والعولمة الثقافية وغيرها من التحديات العديدة والمختلفة التي نعيشها اليوم وبصورة فائقة والتي ستميز الألفية الثالثة لا محال. فالنظام الإعلامي العربي الراهن يحتاج إلى نظرة نقدية جادة مع نفسه كما يحتاج إلى مراجعة مع الذات وهذا للوقوف على السلبيات والتعلم من الأخطاء والهفوات السابقة للانطلاق بخطى قوية وإيجابية نحو مستقبل لا يكون فيه الإعلام وسيلة للسيطرة والتحكم والتلميع والتملق وإنما وسيلة للحرية والعلم والمعرفة والتفكير والإبداع والاختلاف في الرأي وفي إيجاد سوق حرة للأفكار.تحديات الألفية الثالثة كبيرة وجسيمة وتتطلب إعلام قوي وصناعات ثقافية قوية وفاعلة سواء على المستوى المحلي أو الدولي، مع تمنياتنا بإيجاد أذانا صاغية لهذه المستلزمات عند أصحاب القرار في وطننا العربي. فإذا كانت هناك بعض التجاوزات في الممارسة الإعلامية في الغرب والدول الديمقراطية بالتستر وراء "الأمن القومي" ووراء "المصالح القومية" والتي أضرت في أرض الواقع بالوصول إلى الحقيقة وإلى تنوير الرأي العام وصناعة القرار السليم في آخر المطاف، يبقى أن الطريق مازال طويلا أمام الإعلام العربي لينهض بنفسه ويتعايش ويتفاعل مع ألفية ترتكز أساسا وتقوم على المعلومة والمعرفة وكيف نصنعها ونتداولها ونخزنها ونستغلها في صناعة القرارات المختلفة التي نتخذها سواء على مستوى الفرد أو العائلة أو المؤسسة بمختلف أشكالها أو المجتمع أو الدولة.