15 سبتمبر 2025

تسجيل

ما بين الرئاسة اللبنانية وحزب الله

03 أغسطس 2013

خطاب الرئيس اللبناني ميشال سليمان يوم الخميس الفائت بمناسبة عيد الجيش اللبناني يصنف بامتياز على أنه أكثر خطابات الرئيس سليمان انتقادا لحزب الله وانخراطه في الحرب السورية ، فضلا عن أن الخطاب يأتي في وقت يتعرض فيه الجيش اللبناني لهجمات مسلحة في أكثر من منطقة لبنانية ، وتزامنا مع توافق أغلب الفرقاء السياسيين على التمديد لقائد الجيش جان قهوجي لمدة سنتين ، والذي جرى دون موافقة زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون الذي اعتبر التمديد لقائد الجيش ومن قبله لمجلس النواب تقويضا للمؤسسات الدستورية والامنية في البلاد . كلام سليمان، الذي أشرفت ولايته على الانتهاء ، جاء أكثر قوة من أي خطاب له من قبل . والإنتقادات اللاذعة التي وُجهت لحزب الله كانت هي الأشد على الاطلاق التي تصدر من رئاسة الجمهورية التي كانت تُصنف قبل بدء الأزمة السورية على أنها على مسافة واحدة من جميع الأطراف السياسية . لقد اعتمد الرئيس سليمان في خطابه آنف الذكر على رؤيته في كيفية حماية لبنان من النزاعات التي تحيط به اقليميا ، متكئا على معادلة مفادها أن انقلابات حدثت وانظمة تغيرت في العالم العربي ، في حين بقي النظام الديموقراطي اللبناني صامدا على خط الزلازل بفضل الجيش الضامن للبنان الواحد المستقبل ، على حد وصف الرئيس سليمان . وما يهدد النظام الديموقراطي في لبنان ليس النزاعات الموجودة من حوله، بحسب رؤية الرئيس سليمان ، وإنما عرقلة مهمات الجيش وتصعب مهماته التي أرجعها سليمان لتورط "فريق أو أكثر من اللبنانيين في صراع خارج الحدود ما يؤدي الى استيراد الأزمات فيتحول لبنان الى حرب بالوكالة، كما ان مهمته تستحيل اذا استمرت ازدواجية السلاح الشرعي وغير الشرعي" ، معتبرا أن "الشهادة الحقيقة هي فقط في سبيل الوطن والدفاع عن وحدته وعزته وما يريده الشعب اللبناني هو التضحية من أجل لبنان وما لا يريده الشعب ان تروي دماؤه أرضا غير أرض الوطن". ويغمز سليمان من قناة حزب الله الذي يقول أنه يقاتل في سوريا لحماية لبنان وشعبه من تمدد الحريق السوري ، قائلا: "الدولة هي التي تحفظ الحقوق والكرامات بعيدا عن صراع العقائد والمحاور والمذاهب" ، ولم يعد مسموحا أن يبقى الجيش عبارة عن قوة فاصلة بين ميليشيات بحجة الدفاع عن قضية طائفية بل هو يمارس الشرعية اللبنانية ، وأن الزمن الذي كان فيه الجيش ممنوعا عن الدفاع عن الوطن قد ولى الى غير رجعة . ومن المواقف التي طرحها الرئيس سليمان للخروج من النفق السياسي الذي تعيشه البلاد هو اعادة دراسة الاستراتيجية الدفاعية ، وذلك على ضوء تخطي سلاح المقاومة الحدود، لافتا الى انه "ليس بالاضاءة على الأخطاء نمحو الأخطاء السياسية والارتهان للارتباطات، فلا يجوز موازنة الاخطاء بالدور الوطني الكبير الذي يقع على عاتق الجيش في حماية السيادة وحفظ الامن ، والمطلوب اليوم حملة مع الجيش لا حملة عليه". مما لا شك فيه أن كلام الرئيس سليمان أزعج حزب الله ليس بسبب انتقاداته لسياساته الخارجية فحسب ، وانما لمحاولته وضع الحزب على قائمة معرقلي بناء الدولة اللبنانية والزج بها وبشعبها في صراعات اقليمية ، الشعب اللبناني أعجز بكثير من مواجهة تداعياتها. على أية حال ، كلام الرئيس سليمان الأخير يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ، ان العلاقة بين حزب الله ورئاسة الجمهورية هي في أسوء مراحلها ، وأن كل محاولات احتواء الخلاف التي جرت بين الطرفين باءت بالفشل بسبب إصرار حزب الله على السير بسياساته وأعماله العسكرية خارج الحدود من ناحية ، وبسبب رفض الرئاسة تقبل هواجس حزب الله ومبرراته التي تدفعه للقتال خارج الحدود . الخطورة اليوم لم تعد على الخلاف حول صوابية تدخل حزب الله في سوريا من عدمه بقدر ما توسعت الدائرة لتصل الى البحث حول شرعية سلاح المقاومة التي كانت جميع البيانات الوزارية تؤكد عليها ، فيما يشبه الإجماع الوطني. يرى البعض أن كلام سليمان لا يعدو كونه لرجل يحزم حقائبه للرحيل من القصر الرئاسي، ولن يكون له انعكاس مهم على مستقبل الخارطة السياسية في البلاد، لكن مما لا شك فيه أن الانتقاد المتزايد لحزب الله كشف عمق الأزمة التي تعيشها البلاد ...