11 سبتمبر 2025
تسجيللقد حذرنا الله تعالى من الغيبة بقوله:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ"ولعظم أمرها فقد جاء الوعيد الشديد في حق مرتكبها، قال النبي صلى الله عليه وسلم "لما عُرج بي إلى السماء مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت: مَنْ هؤلاء يا جبريل؟! قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم".إذن الغيبة عادة ذميمة وعمل لئيم قال عنها ابن حجر الهيثمي: إن فيها أعظم العذاب وأشد النكال، وقد صح فيها أنها أربى الربا، وأنها لو مزجت في ماء البحر لأنتنته وغيَّرت ريحه، وأن أهلها يأكلون الجيف في النار، وأن لهم رائحة منتنة فيها، وأنهم يعذبون في قبورهم. وبعض هذه كافية في كون الغيبة من الكبائر.والغيبة بضاعة كاسدة وسلعة رخيصة لا يسعى لها ولا يحافظ عليها إلا ضعاف الإيمان، وهي في الوقت نفسه تجارة خاسرة للمغتاب حيث إنه يخسر كثيراً من حسناته، ويكسب كثيراً من الذنوب والسيئات.وبعض الناس مع الأسف الشديد لا تراه دائماً إلا منتقداً، وينسى صفات الآخرين الحسنة، ويركز على أخطائهم وعيوبهم فقط، فهو مثل الذباب يترك موضع البرء والسلامة ويقع على الجرح والأذى، وهذا من رداءة النفوس وفساد المزاج.والغيبة هي كما بيَّنها رسول الله بقوله: " أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هي ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته".وهي حرام لقوله: " كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه".والغيبة تكون في القول، والإشارة والإيماء والغمز واللمز، والكتابة.خطورة الغيبةإن هذا الأمر على خطورته في الدنيا والآخرة لم يأبه به كثير من الناس، وتهاونوا في أمره تهاوناً عظيماً، بل اعتبروه فاكهة مجالسهم، فإنك لا تكاد تجلس في مجلس إلا وهذا الوباء موجود فيه، وسبب انتشاره هو عدم إدراك خطورته.عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، حسبك من صفية أنها قصيرة، فقال: " لقد قلت كلمةً لو مُزجت بماء البحر لمزجته".وروى أبو هريرة أن رجلاً اعترف بالزنا أمام رسول الله أربع مرات، فأقام عليه الحد، فسمع الرسول رجلين من الأنصار يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه، فلم يدع نفسه حتى رُجم رجم الكلب، قال: فسكت رسول الله، ثم سار ساعة فمرَّ بجيفة حمار شائل برجله — أي قد انتفخ بطنه — فقال صلى الله عليه وسلم: " أين فلان وفلان؟" فقالا: ها نحن يا رسول الله، فقال لهما: "كُلا من جيفة هذا الحمار" فقالا: يا رسول الله، غفر الله لك، مَنْ يأكل من هذا؟! فقال رسول الله: فما نلتما من أخيكما آنفاً أشد من أكل هذه الجيفة، فو الذي نفسي بيده، إنه الآن في أنهار الجنة ينغمس فيها" رواه أحمد وصححه الألباني.لهذا وجب علينا الحذر من هذه الكبيرة التي تورد صاحبها المهالك.