15 سبتمبر 2025

تسجيل

جدل موسيقى الأرابيسك في تركيا

03 يوليو 2024

‏‎مشروع التحديث الكمالي ألقى بظلاله على موسيقى الأرابيسك (شبه العربيةArabesk ) في تركيا، حيث رسمت رؤية التحديث الكمالي مساراً لتغريب الجمهورية التركية الجديدة، خاصة في المجالات الثقافية. ‏‎بعد تغيير الأبجدية العربية واللباس التقليدي، امتد التأثير إلى الموسيقى التركية نفسها حتى اقترحوا وضع كراسي داخل المساجد، لكنهم فشلوا في تنفيذ هذه الفكرة، وكان المشروع مستندًا إلى أفكار المفكر القومي ضياء غوكالب الذي دعا إلى استبعاد جميع العناصر «الأجنبية» من الثقافة التركية وإقامة «ثقافة جديدة نقية». ‏‎هذا المفهوم رفض أيضًا الموسيقى التركية الفنية باعتبارها «متخلفة»، مدعيًا أنها تجمع بين التأثيرات العربية والفارسية إضافة إلى السمات البيزنطية وبشكل مثير للاهتمام، اعتبروا أن الموسيقى الفنية المعقدة سيئة في حين اعتبروا الموسيقى الشعبية البسيطة جيدة، لم يكن لديهم مشكلة في مزج الموسيقى التركية مع أنماط الموسيقى الغربية، بل كانوا يشجعون هذا الاتجاه وكانوا يتصورون أن الموسيقى الغربية هي ذروة التقدم الموسيقي، كما رفض الكماليون الغناء المنفرد للأغاني الشعبية وكانوا يفضلون الأداء بأسلوب الجوقات الغربية. ‏‎في عام 1934، حظرت الحكومة الأغاني التركية وبالطبع كانت الإذاعة الوسيلة الرئيسية للترفيه العام والمعلومات وكانت النتيجة مفاجئة، حيث رفض الناس في منازلهم ومقاهيهم الاستماع إلى الموسيقى الغربية على الإذاعة التركية وفضلوا الاستماع إلى الإذاعة المصرية بدلاً من ذلك. يمكن القول إن الموسيقى المصرية كانت تعتبر أيضًا نسخة من الموسيقى العثمانية بمزيج من النغمات التركية والعربية. ‏‎النواب الجمهوريون مثل أحمد تلات أوناي، الذين آمنوا بإصلاح الموسيقى، انتقدوا الحظر معتبرين أنه «أرغم الناس على الاستماع إلى الموسيقى المصرية بدل الموسيقى التركية». ‏‎كانت الموسيقى المصرية في أوج ازدهارها مع عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم في منتصف القرن العشرين كما أن اندلاع الحرب العالمية الثانية أدى إلى انقطاع شراء الأفلام الفرنسية وكانت الأفلام المصرية بديلاً أرخص حققت شعبية كبيرة. ‏‎أعتقد أن التقارب الثقافي بين البلدين لعب دورًا في هذا الاستقبال الحار للأفلام مصرية مثل شعبية المسلسلات التركية بين العرب اليوم. ‏‎في عام 1938 حظرت الحكومة التركية مجددًا استخدام الأغاني العربية في السينما واختار صناع الأفلام دبلجة نفس الأفلام المصرية بلغة وأغان تركية. ‏‎بدأ الموسيقيون الأتراك أيضًا في تأليف أغان أصلية مشابهة لتلك الأفلام المصرية وبيع إنتاجهم في الأسواق وحظي بجمهور كبير. ‏‎حاول بعض صناع الأفلام الأتراك أيضًا تقليد أفلام مصرية بسيناريوهات وموسيقى مماثلة. ‏‎ابتداءً من الخمسينات، شهدت المدن التركية تدفق المهاجرين من المناطق الريفية واستقرارهم في الأحياء العشوائية. ‏‎تناسبت موسيقى الأرابيسك تمامًا مع هؤلاء المهاجرين الجدد الذين كانوا يعانون من الفقر والظلم وكانت الأغاني الشعبية عن الحياة الريفية والنقل، حيث لم يكن لديهم اهتمام بالموسيقى الفنية التي كانت تستمتع بها النخب الإسطنبولية، لذا ظهرت موسيقى الأرابيسك كشكل هجين يجمع بين الأنماط الحضرية والريفية بخلفية قوية في أساليب الموسيقى الغربية والتركية. جمع الملحن والمغني الشهير للموسيقى العربية أورهان جينجباي بين الساز التركي والجيتار الغربي مؤسسا موسيقاه على تواصل التراث الموسيقي التركي بأسلوب حر، إذ تمثل أغنيته الشهيرة «Bir Teselli Ver» (واسيني) صورة عن معاناة الناس وصراعهم. كما تعبر أغاني موسليم جورسيس، فردي تايفور أو إبراهيم تاتليسس عن معاناة مماثلة. وقد تم حظر هؤلاء الفنانين الشهيرين من الظهور على قنوات التلفزيون العامة حتى أواخر التسعينات، حيث كان يُسمح لهم فقط بأداء أغاني موسيقى الفولكلور. بعد الانقلاب العسكري في عام 1980، انتعشت موسيقى الأرابيسك مع موجة هجرة كبيرة أخرى من القرى إلى المدن. انتقل إبراهيم تاتليسس وفردي تايفور شخصيًا من جنوب شرق البلاد الريفي إلى المدن الغربية. لقد لاقت أغانيهم رواجا كبيرا داخليًا وخارجيًا بين الأتراك والعرب وخلال هذه الفترة، حاولت الحكومة التأثير على الموسيقى من خلال تشجيع كتابة كلمات أكثر إيجابية في نسخة مشرقة من موسيقى الأرابيسك أو الأرابيسك الخالي من الألم. انتشرت الموسيقى أيضًا في وسائل النقل العامة مثل (الدولموش)، الملاهي الليلية والحفلات العامة. بعض الأغاني الشهيرة تتضمن عبارات مثل «ليذهب هذا العالم إلى الجحيم»، «لا أستطيع الضحك»، «ألست إنسانًا؟»، «حقائق مؤلمة». مع عملية التحول نحو الديمقراطية وارتفاع الإنترنت، توقفت الحكومة التركية عن معارضة موسيقى الأرابيسك في التسعينات والألفية الجديدة. ومع ذلك، تظهر قصة موسيقى الأرابيسك في تركيا أن الثقافة والمجتمع لا يمكن أن يتم تصميمهما وفقًا لرغبات النخب الحاكمة ونعلم أن الثقافة التركية والعربية لا تنفصلان.