11 سبتمبر 2025

تسجيل

إدارة الموارد ومواجهة الأزمات الاقتصادية

03 يوليو 2024

لا ننكر أن معظم الاقتصادات في الدول النامية، ومنها الدول العربية أو معظمها تعاني من الضعف والهشاشة، ومن ثم عدم القدرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية المتكررة والتي قد تُصدر إليها من الخارج، بالإضافة إلى ما تعانيه في الأساس من مشاكل متنوعة ومتجذرة منذ سنوات والتي يصاحبها ضروب من الفساد المالي والإداري في مستويات مختلفة تنعكس جميعها على الأداء الاقتصادي، ما يزيد من معاناة المجتمع بكل طوائفه وفئاته، خاصة أن الأزمات الاقتصادية تتوالى كانعكاس للتوترات السياسية والنزاعات والصراعات الداخلية والدولية التي أثرت مباشرة على سلاسل الإمداد على مستوى العالم ومن ثم النقص الحاد في المواد الغذائية والطاقة ومكونات الصناعات المحلية، وهبوط أسعار الأصول المالية، مع تجاوز معدلات التضخم للمستويات العالمية المسجلة منذ عدة عقود وتفاقم أعباء تكلفة المعيشة، وتأثر الأنشطة الاستثمارية بعد ارتفاع أسعار الفائدة على الاقتراض، وزيادة أقساط التأمين وتكلفة الشحن وزيادة مخاطر الملاحة البحرية، وتعثر الشركات وتسريح الأيدي العاملة وتفاقم أعداد البطالة، وقد ظهر ذلك جليا بداية من جائحة كوفيد - 19 ثم مع الحرب في أوكرانيا وأخيرا طوفان الأقصى، ويكفي أنه منذ حرب روسيا وأوكرانيا فقط، تكبد الاقتصاد العالمي خسائر تصل إلى 2.8 تريليون دولار في عام 2023، مع تراجع النمو الاقتصادي إلى 2.2 % وفي ظل هذه الحالة نجد الإشكالية الأكبر وهى كيف تتعامل الدول النامية مع هذا الوضع وكيف تواجه هذه الأزمات بدلا من الاستسلام لها ؟ بعد أن اعتمدت لسنوات طويلة على الاستيراد من الخارج، واستسلمت لذلك بدون الاهتمام بمواردها الطبيعية والبشرية من خلال التركيز على العمل والإنتاج والإنتاجية كعناصر حماية من التداعيات غير المتوقعة، فضلا عن أنها السبيل الوحيد إلى التقدم، حيث أصبح المقياس في ذلك هو العمل وارتفاع الإنتاجية التي تدفع الاقتصاد إلى الصمود وتحدي الأزمات وتخطي آثارها السلبية ومن ثم التفوق عليها، وقد نجحت الدول الكبرى في ذلك بعد أن تركت خلفها كل الكوارث التي حلت بها والأزمات التي تعرضت لها، وركزت على بناء الفرد لتحسين إنتاجيته حتى يُمكن للمنشأة إنتاج قدر من السلع أو المنتجات والخدمات بذات الجودة أو أفضل بوحدات أقل من عوامل الإنتاج المتاحة في ذات الفترة الزمنية أو أقل مع توفير الوقت والجهد وتقليص الأخطاء والمحافظة على الآلات والمعدات وتوفير أو ترشيد الخامات ومدخلات الإنتاج وخفض التكاليف والنفقات، التي تزيد من القدرات التنافسية في الوحدات الخدمية أو الإنتاجية، باعتبار أن الإنتاجية هي محصلة العلاقة الإيجابية التفاعلية مع مفردات ووحدات العملية الإنتاجية لذلك جاءت أهمية تجويد الإنتاجية في كل المجالات وتحسينها في الدول الصناعية المتقدمة وكانت من أهم دعائم التقدم، لارتباطها الوثيق بُحسن استغلال وإدارة الموارد للحصول على أكبر عائد أو أفضل خدمة، ويبدو العكس جليا في الدول النامية التي لم تهتم جيدا بهذه المقاييس على مستويات متعددة مثل العامل الذي تنعكس إنتاجيته على العمل الذي يؤديه مباشرة، من خلال ما يعطيه من جهد وعلم وخبرة ومهارة. وكذلك تجويد الإنتاجية للمؤسسات أو الشركات لأنها تعبر عن كفاءة الإدارة في الاستغلال الأمثل للموارد والإمكانات المتاحة، للحصول على أحسن وأفضل النتائج الممكنة. ومن جهة فلأن الإنتاجية هي انعكاس لأداء كافة الأجهزة على الاقتصاد القومي، من خلال قياس متوسط أدائها الذي يلقي بظلاله إيجابا أو سلبا على رفاهية المجتمع والمواطنين لذلك فإن المجتمعات التي تحاول النهوض والتقدم وتحقيق رفاهية شعوبها عليها التدقيق في اختيار العوامل المؤثرة على الإنتاجية من النواحي الفنية والتكنولوجيا، إلى جانب العوامل التنظيمية والإدارية، والعوامل الإنسانية، والسيكولوجية وحقوق العمال والتشريعات المنظمة لسوق العمل وفض المنازعات والتحكيم والاهتمام بالدراسات والأبحاث العلمية في مجال رفع الإنتاجية، والتخطيط والرقابة، وتحليل التكاليف كأسلوب لتلافي الإهدار أو الفقد والضياع في المال العام، وكذلك الحرص على ضمان الرعاية النفسية والصحية والحياة الكريمة للعمال وأسرهم قبل وبعد تقاعدهم وحرية التعبير والعمل النقابي، وكلها محفزات لدافعية العمل والإنتاج والإتقان. لذلك علينا أن ندرك أهمية التركيز على الاستفادة من مقومات التقدم الذي يبدأ من نجاح إدارة الموارد المتاحة في إنشاء قاعد صناعية متطورة، تعتمد أولا وأخيرا على تحسين الإنتاجية، للأيدي العاملة التي تمثل رأس المال البشري وهو المحور الأهم والأساسي في قيام وبناء الحضارات وتقدم الأمم.