13 سبتمبر 2025

تسجيل

العالمان الرقمي والحقيقي والمعايير المزدوجة

03 يوليو 2023

قد يتساءل البعض عن حقيقة وواقع المعايير المزدوجة في العالمين الحقيقي الواقعي، والرقمي الافتراضي، وقد يصدق ويؤكد غالبية الناس إن لم يكن جميعهم على ازدواجية هذه المعايير في العالم الحقيقي لما يراه ويسمعه عن هذه الازدواجية في عالمنا اليوم، وفي المجال السياسي والعسكري على وجه الخصوص. وذلك نتيجة لما تُظهره وسائل الإعلام من تناقضات وتعارضات سياسية حول مواقف عسكرية خلافية بين مؤيد ومعارض من هذه الجهة أو تلك، وفي مواقف متشابهة وبين أطراف مختلفة، ووفقا للمصالح السياسية والعسكرية كما بدا جلياً من مواقف متناقضة بين التسرع والتردد في اتخاذ مواقف ثابتة واضحة الاتجاه والتوجه نحو مسألة ما (مع أو ضد) من قبل حكومات ودول إقليمية ودولية حول قضايا الشرق الأوسط، وثورات الربيع العربي وغيرها من الدول التي وقفت مع طرف في موقف، ومع الطرف الآخر في مواقف أخرى مشابهة، فكيف تُوصَف هذه المواقف، وكيف تُقرأ، أليست هي مواقف تثبت ازدواجية المعايير؟ بالطبع نعم هي كذلك، فهذا ما حدث، ويحدث، ولا يزال يحدث في عالمنا الحقيقي الواقعي تجاه قضايانا العربية والإسلامية العادلة على وجه الخصوص في مقابل عدم الازدواجية في مواقف أخرى حول قضايا أخرى في الطرف الآخر من عالمنا الواقعي. أما في عالمنا الرقمي الحديث، فالأمر بالطبع مختلف، ومن الطبيعي أن يكون مختلفاً، فالعالم الرقمي له طبيعته الخاصة، وجمهوره، وأجواؤه، ووسائل تواصله وتفاعله الخاصة به، فهو عالم افتراضي عامته نخبة من المثقفين تكنولوجياً، والمتمكنين من مهارات التكنولوجيا الحديثة، ووسائلها الإعلامية، والمتفاعلين مع غيرهم ومتابعيهم محليا وعالميا عبر وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي الحديثة، ومواقعها، ومنصاتها مثل تويتر، والفيسبوك، والانستجرام، والوتس أب... وغيرها من المواقع والمنصات، ولذا فهو عالم يتميز بالفردية، والخصوصية الذاتية في المقام الأول، حيث يتم فيه الاتصال والتواصل بشكل فردي عن بعد، مما يعني المسؤولية الفردية عما يُقال ويُنشر. وتبعاً لهذه الخصوصية الفردية لا يطلع على التعليق المنشور إلا صاحبه، أو من يسمح لهم من متابعيه بالاطلاع عليه للتواصل والتفاعل معه، والأخذ والرد حول موضوع أو قضية معينة. ومن ناحية أخرى، فقبول نشر هذا الرد أو ذاك في تغريدة أو تعليق من إدارة المنصة أو القائمين عليها أيضا فردي لا يطلع عليه أحد، ولهذا فالازدواجية غير مُدركة ولا مُلاحظة من قبل العامة من الناس، مما يؤدي إلى الاعتقاد العام بأن هذه المنصات لها معاييرها المُوحدة والمُحكمة، وليست مزدوجة المعايير. ولكن يبقى هذا مجرد اعتقاد ناتج عن عدم إدراك هذه الازدواجية وملاحظتها، ربما لعدم ارتباطها بالقضايا المطروحة من قبل العامة من الناس، وعدم إدراك هذه الازدواجية أو ملاحظتها لا ينفي وجودها. فهي موجودة وإن اختفت عن بصر العامة من مرتادي هذه المنصات أو بصيرتهم، مما يعني أن هناك بالفعل معايير مزدوجة للنشر والتعليق حيث يتم في ضوئها قبول نشر هذا التعليق أو التغريدة أو رفضها، فمعاييرهم مزدوجة، وموازينهم مقلوبة، فالمقاومة ضد الاحتلال على سبيل المثال تعد إرهاباً، والإرهاب الإسرائيلي وهدم المنازل وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ يُعتبر دفاعاً عن النفس، واعتداء المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين وحرقُ مزارعهم واقتحام بيوتهم وانتهاك حرماتها حق مشروع للاستيلاء على الأرض والاستيطان، وتأمين الحياة. وتأييد ممارسات الاحتلال شجاعة وبطولة، واعتراف بالحق، بينما معارضة هذه الممارسات خيانة، وعدوانية وتطاول ومعارضة للمعايير المعتمدة لهذه المنصة أو تلك، والأمثلة على ذلك كثيرة فعدم إدانة عمليات اقتحام ساحة المسجد الأقصى يعتبر تحضراً وتعقلاً واعترافاً بالحق في الاقتحام مهما كان، وممن كان، فمعاييرهم إسرائيلية في المقام الأول، يرفضون ما ترفضه إسرائيل، ويقبلون ما تقبله. وبالتالي فأي تعليق أو تغريدة تتعارض مع هذه المعايير فهي محجوبة عن النشر، والعكس مع التغريدات أو التعليقات المتوافقة مع النهج الإسرائيلي وتوجهه، فما المطوب منك إذن ليتوافق رأيك وتوجهك مع معايير هذه المنصات؟ المطلوب منك ببساطة هو ألا تغضب لغضب إخوتك الفلسطينيين، ولا تحزن لحزنهم، ولا تدين الممارسات الإسرائيلية العنيفة ضدهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو في أي مكان آخر في فلسطين المحتلة. ولذا، ينبغي ألا تحتوي أي تغريدة أو تعليق على إدانة لإسرائيل، ولا إشادة بأي عملية مقاومة فلسطينية. ولا يُكتفى بذلك، بل يجب عليك أن تدين كل عمليات المقاومة الفلسطينية لأنها تعتبر إرهاباً في العرف الإسرائيلي والثقافة الأمريكية والغربية. وبغير ذلك، فلن تجد تغريدتك أو تعليقك أي سبيل للنشر على هذه المنصات، فالمعايير مزدوجة، والموازين مقلوبة، والمصلحة غالبة. [email protected]