03 أكتوبر 2025

تسجيل

أفغانستان.. جدلية النصر والهزيمة

03 يوليو 2021

من يتتبع الحروب المعاصرة يجدها من حيث الانتصار والهزيمة قد تمترست في فضاءات رمادية أو حالات من اللا نصر واللا هزيمة؛ لكن المتفائلين يعزون ذلك لتوسع المدارك بشأن فهم منطلقات وأسباب الحروب، حيث وفّر عصر المعلومات تنزيل أحكام أكثر واقعية وموضوعية. على كل فقد اختفت مواكب القوات المظفرة العائدة، وحلّـت النصب التذكارية محلّ أقواس النصر. وحتى الطرف الذي يدعي نصرا بزعم أنه حقق أهدافه ولو بعضها، فعادة ما يكشف الواقع المرير أن ثمنا باهظا قد تكلفه مما يجعله غير قادر على تذوق النصر المزعوم. ومع مرارات النصر فإن محاولات إقناع الرأي العام المستميتة هو المسحوق الذي يُغطى به حجم التكاليف المادية والبشرية والمعنوية المبذولة. هناك من يجادل بأن معايير أو دلالات رمزية قد تشير إلى نصر ما؛ مثل توقيع اتفاقية قد تقر نتائج الحرب لمصلحة أحد الطرفين ولو ضمنا. فلسفيا ليس بالضرورة أن يكون النصر حليف القوة المادية والترسانات العسكرية إذا ما كانت القضية التي شُنّت الحرب من أجلها قضية عادلة. وحسب الجنرال والمؤرخ الحربي البروسي كارل فون كلاوزفيتز وقد تركت كتاباته حول الفلسفة والتكتيك والإستراتيجية أثرا عميقا في المجال العسكري؛ حيث أشار إلى أنّ وجود سبب أخلاقي لدى أحد طرفي الصراع يحفّزه لاستنفار طاقاته وقدراته لدفع العدوان، وأنه وإن كان ضعيفًا ماديًا فهو الأقوى، على المدى البعيد، ذلك أنّ فاعلًا مهمًا يشكل حاضنة للقضية العادلة، وهو الرأي العام محليًا، وفي بعض الحالات دوليًا أيضًا. أمس الجمعة أعلن عن انسحاب القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي «الناتو» بالكامل من قاعدة باغرام الجوية قرب العاصمة الأفغانية كابل. المتحدث باسم وزارة الدفاع الأفغانية أكد أن جميع القوات الأمريكية والأجنبية غادرت القاعدة التي ظل الأمريكيون يتمركزون فيها منذ غزوهم أفغانستان قبل عشرين عاما. لا شك أنه نصر للمقاومة الأفغانية بمعايير كلاوزفيتز؛ فقد كافح الشعب الأفغاني العدوان الخارجي وناضل بقدرات مادية وعسكرية ضعيفة لكنه امتلك قدرة معنوية هائلة بمواصفات نووية دفاعا عن أرضه واستقلاله وكرامته. وكانت القوات الأمريكية الغازية قد سلمت كل القواعد العسكرية في البلاد باستثناء قاعدة باغرام، بعد اكتمال انسحاب القوات الألمانية والإيطالية المشاركة في مهمة الحلف الأطلسي. بكل تأكيد أن انسحاب القوات الأمريكية وحلفائها ليس نهاية المطاف، إذ إن أمام الأفغانيين طريقا طويلا لتحقيق السلام والاستقرار لوطنهم المثخن بالجراح. ولعل إعلان حركة طالبان التي مثلت المقاومة في وجه القوات الغازية بأن انسحاب القوات الأمريكية الكامل سيمهد الطريق أمام الأفغان ليقرروا مستقبلهم يؤسس لآمال عراض بشأن مستقبل أفغانستان. إن استمرار التدخل الأمريكي في البلاد بشكل سلبي حتى بعد الانسحاب سيبرر لطالبان استمرار عملياتها العسكرية. وبدا ذلك من خلال إعلان واشنطن أنها ستواصل دعمها لما أسمته قوات الدفاع والأمن الوطنية بعد انسحابها. الشعب الأفغاني المنهك يأمل في أن تقف معاناته عند حد الانسحاب من باغرام وألا تمتد إلى موعد انتهاء مهمة الناتو، المسماة بـ{الدعم الحازم» والمقرر لها سبتمبر المقبل وأن تستغل هذه الفترة في الوصول إلى وقف شامل لإطلاق النار. [email protected]