16 سبتمبر 2025

تسجيل

درعا تحت القصف

03 يوليو 2018

استحوذ الهجوم السوري - الروسي الغاشم على مدينة درعا على اهتمام واسع بسبب وحشية القصف وما سببه من نزوح لعدد كبير من سكان مدينة درعا. ويبدو أنه لا راد لما يقوم به نظام بشار المدعوم بشكل كامل من روسيا، في حين تخلت أطراف خارجية عن المقاتلين الثوار وأصبح سقوط المدينة بيد قوات بشار مسألة وقت. يبدو أن النظام الذي يسعى لإعلان انتصاره في الحرب الأهلية غير معني بسلامة جزء رئيسي من شعبه، وربما هناك أجندات خفية لدى دوائر داعمة لنظام بشار تسعى لإحداث تغيير ديمغرافي تستفيد منه القوى المنتصرة في نهاية الحرب. وهي ليست المرة الأولى التي تنجح فيها قوات بشار في إحداث تطهير ديمغرافي بغية تحقيق معادلة توزيع ديمغرافي مختلفة عن تلك التي سبقت اندلاع الثورة السورية. معركة درعا جرى لها التحضير جيدا، فتم إبعاد إيران وحزب الله احتراما للخطوط الحمراء التي رسمها رئيس وزراء إسرائيل، وتشير صحيفة هآرتس الإسرائيلية إلى أن الجيش الإسرائيلي بعث برسالة واضحة للسوريين بشأن التواجد الإيراني وأنه يراقب المنطقة بشكل حثيث للوقوف على هوية القوات المشاركة باسم الجيش السوري في منطقة درعا. فلا تمانع إسرائيل من سيطرة قوات بشار على درعا ولا تمانع من اقترابها من الجولان وفقا لاتفاقية فك الاشتباك الموقعة بين الطرفين عام 1974 لكنها تعتبر دخول قوات إيرانية أو تابعة لحزب الله في هذه المنطقة تجاوزا غير مقبول لقواعد الاشتباك. وبالمقابل تخلت الولايات المتحدة عن حماية المدينة ما مهد الطريق أمام قوات بشار للانقضاض على المدينة وإفزاع سكانها غير أبهة بالأزمة الإنسانية التي سببها القصف الذي تسبب في نزوح أكثر من مائة وعشرين ألف نازح من سكان المدينة إلى هذه اللحظة. والحق إنه كان بالإمكان تجنب الهجوم من خلال الحفاظ على اتفاق خفض التصعيد، وكان بالإمكان تسليم المعابر لقوات الجيش السوري من خلال اتفاق كان بالإمكان التوصل إليه، غير أن جملة من الظروف حالت دون ذلك وبخاصة مع شعور نظام بشار بأن الفرصة سانحة لتسجيل انتصار عسكري آخر يضاف لسلسلة من الانتصارات التي بدأت مع دخول روسيا رسميا الحرب قبل ثلاث سنوات. لكن هناك سياقا لهذا الهجوم الجديد، واللافت أن روسيا وإسرائيل توصلتا إلى اتفاق حول الوضع في سوريا وافقت فيه إسرائيل على بقاء الأسد بالحكم مقابل تعهد روسيا بإخراج النفوذ الإيراني من سوريا، وهو ما يتوافق مع موقف الرئيس دونالد ترامب لأن إدارته لا تمانع من إبقاء الأسد في حكمه لكنها أرسلت برسائل قوية تفيد بأن على إيران أن تخرج من سوريا. وهناك اتفاق عريض ينص على أن تتعهد روسيا بإبقاء القوات الإيرانية على بعد 80 كيلومترا من الحدود من الجولان مقابل موافقة الولايات المتحدة وإسرائيل على بقاء نظام الأسد، بالإضافة إلى ذلك توافق روسيا على إطلاق حرية سلاح الجو الإسرائيلي في استهداف أهداف إيرانية داخل سوريا ومن أجل منع إيران من فتح جبهة ثانية ضد إسرائيل. وبطبيعة الحال لا تمانع روسيا من ذلك بل ستستخدم الضغط الإسرائيلي لكبح جماح الاندفاع الإيراني في سوريا. ولذلك، لا ينبغي أن يصاب المرء بالدهشة، فالهجوم السوري على درعا لم يأت من فراغ بل بعد أن توافقت قوى رئيسية في المشهد السوري على شكل الحل النهائي وحول إبقاء النظام السوري على اعتبار أنه لا بديل مقبولا له. وإذا ما انتهت أزمة درعا، مهد الثورة السورية، فإن المعركة الرئيسية بعد ذلك ستكون في إدلب، ولا يبدو أن السوريين سيرون الضوء في نهاية النفق في المستقبل المنظور.