28 أكتوبر 2025
تسجيلفي العام الهجري (1400هـ) تم عقد المؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسنة في قطر، وكان فضيلة الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري هو رئيس المؤتمر وكان المؤتمر ناجحًا بكل المقاييس، تمخض عن توصيات ومقترحات أصبح لها دور فاعل وكبير في التربية والفقه وعلوم السنة والسيرة، على مدى الخريطة العربية والإسلامية. في عام (1402هـ،1982م) أنشِئت إدارة إحياء التراث الإسلامي بأمر من سمو أمير دولة قطر حينئذ الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، وأوكلت إدارتها إلى الشيخ عبد الله الأنصاري، وقد حلَّت هذه الإدارة تدريجيًا محل إدارة الشؤون الدينية، وتحوَّلت بعد وفاة الشيخ الأنصاري إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. للشيخ رحمه الله دراية واسعة بعلم الفلك، فقد قام على إصدار التقويم القطري لمدة تقرب على الثلاثين عامًا، فكان إصدار أول تقويم تحت إشرافه عام (1377هـ)، وقد كان يقوم على إصدار التقويم قبل ذلك والده الشيخ إبراهيم الأنصاري رحمه الله، كما كانت للأنصاري دراية واسعة بمنازل القمر.. ومواقيت الحساب العربي.. ومنازل النجوم والأشهر الشمسية، وتأثير ذلك على الزراعة، والصيد البري والبحري، والرياح، ودخول وخروج الفصول، كما أصدر كتاب الموافقات الشهير (معرفة الصواب في مواقيت الحساب) ووضع الأساس الحسابي للتقويم القطري، الذي أصبح فيما بعد التقويم الرسمي لدولة قطر، بل والمعمول به في كثير من دول الخليج العربي. ساهم الشيخ في الكثير من الأنشطة الخيرية الإسلامية، فقد كان عضوًا بالمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، وعضوًا برابطة الأدب الإسلامي، ذلك عدا أنَّه عضو مؤسس لمنظمة الدعوة الإسلامية، والمجلس الإفريقي الإسلامي، ومع كونه أسهم في تأسيس المراكز الإسلامية في كل من كوريا واليابان والفلبين وسنغافورة وتايلند وألمانيا وفرنسا وبعض الولايات الأمريكية. وأسس الشيخ رحمه الله دار الأيتام الأنصارية في كيرلا بالهند، والتي أصبحت اليوم من أكبر الجامعات التكنولوجية بالهند، وأصبحت مدارسها من المدارس الرفيعة المستوى على صعيد كيرلا حتى أصبح يؤمُّها أبناء المسلمين وأبناء الهندوس، وأصبح يدرس فيها الفقراء بالمجان، بينما يدفع الأغنياء ورجال الأعمال ورجال الحكومة مصاريف أبنائهم ليضموهم إليها.. مما سهَّل عمليه تعليم الفقراء. انتقل الشيخ إلى رحمة الله تعالى في ١٥اكتوبر ١٩٨٩ ولقد كان لو فاة الشيخ رحمه الله رد فعلٍ مدوٍّ على جميع أنحاء العالم الإسلامي، وكانت جنازة الشيخ الأنصاري من الجنازات المشهودة في قطر، بل والعالم الإسلامي، وقد أمَّ الصلاة عليه سماحة الشيخ عبد الله بن زيد المحمود قاضي القضاة ومفتي الديار القطرية، وألقى سماحة الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي كلمة تأبينية حُفرت في القلوب وتناقلتها العقول، وقد غصَّ جامع قطر الكبير (مسجد الشيوخ) بالمصلين، حتى كان يقام صفُّ لمصلي الجنازة بين الصفين، ومع ذلك امتلأت الساحات الخارجية للمسجد، وأغلقت بعض الشوارع المحيطة بالمسجد. وقد استمر مجلس عزاؤه لمدة زادت عن العشرة أيام، وظل المعزون يتوافدون بعد ذلك بقرابة الشهر. رحم الله الأنصاري، فقد وهب نفسه للإسلام والمسلمين، وأعطى للعلم جلَّ حياته فحقَّ أنْ يُلقَّب: "بخادم العلم".