13 سبتمبر 2025

تسجيل

أول حرب بيولوجية في التاريخ

03 يونيو 2019

تخيّل أن العالم الذي تعيش فيه يختفي في لحظات، المدينة التي تسكن فيها تتحول كل ممتلكاتها إلى رماد أو المنزل الآمن الذي أمضَيت جُلّ حياتك به تحوّل إلى أسوأ كابوس قد تحلم به، لك أن تتخيل أنّ جميع أصدقائك اختفوا من غير سابق إنذار وأن جزءاً من عائلتك قد بدأت تظهر عليهم علامات غريبة كالحمّى والقيء ودمامل ذات ألوان غريبة من دون أن يحصلوا على أي اهتمام طبيّ. ما أن تنظر إلى الشوارع فترى الجثث المتعفنة متناثرة هنا وهناك، لم يعد هنالك صباح ولا شمس ساطعة، فالجو قاتم مائلٌ إلى السواد ولم يبقِ لك أيُّ رفيق غير تلك الكائنات الصغيرة ذات الأسنان المدببة والعيون الحمراء التي تسكن في زوايا منزلك وتنتظر الليل لتنقضّ عليك وتنهش لحمك لترديك ميتاً وتُلحِقك بِمَن لقيَ حتفه قبلك. لم يكن ما سبق ضرباً من خيال ولا هلوسة، ولم يكن كذباً وتلفيقاً إنما هي حادثة حصلت خلال القرن الرابع عشر تحديداً، أودت بحياة الملايين من البشر حول العالم والتي تُعَد حتى يومنا هذا من أبشع الحالات التي مرّت على البشرية جمعاء، هي الحالة التي نتجت عن مرض يدعى (الطاعون) أو (الموت الأسود). بدأت القصة عام 1347 عندما عُدَّ المغول من أقوى الامبراطوريات في العالم، وهذا السبب كفيل بإقناعهم بمدّ نفوذهم وإيصال بطشهم إلى باقي دول العالم ومنها أوروبا، كان سبيلهم الوحيد للعبور إلى العالم الأوروبي من خلال مدينة «كافا» التي كانوا يعتبرون أسوارها الحاجز الوحيد أمام التوسع والهيمنة، فرض المغول حصاراً على المدينة إيماناً منهم بأن أهلها وقاطنيها سيخضعون في نهاية الأمر، وإن صبروا على الحصار فسيهلكون في نهاية الأمر، ولكن لم يدرِ قائد السفينة المغولية «جاني بيج» أن الهلاك يقطن بين زوايا سفينته، كان ينظر إلى النصر على الطرف الآخر بينما الخسارة تفتك بطاقم سفينته. صُدِم «جاني بيج» خلال الحصار أنّ رجاله يتساقطون الواحد تلو الآخر ودون سابق إنذار، فهذا أصابته الحمّى وذاك بدأ العفن يأكل جسده وغيرها الكثير من الحالات الغريبة. ظنّ القائد أن الهزيمة قريبة ولكن النفس البشرية الشريرة تأبى ذلك، ولِكَي لا يُقال هُزِمَ القائد المغوليّ، قرر أن يُلقي أجساد الجنود المصابة بالطاعون إلى مدينة «كافا» عن طريق منجنيق ضخم يرميهم من أعلى أسوارها، فبدأ بهذا أول حرب بيولوجية سُبِبَت بعمد، وتم نقل العدوى إلى الناس قصداً، تفاجأ السكان بالأجساد الغريبة المتعفنة، ففروا إلى مناطق أخرى ظناً منهم أنهم هربوا من مصيرهم ولم يدروا أنهم حَملوا هذا المصير إلى شعوبٍ أخرى كما هو الحال مع المغول العائدين من السفينة التي حملت معها هذا المرض. تفشّى الطاعون في كل أنحاء أوروبا حتى وصل إلى ألمانيا، إسبانيا، فرنسا، النمسا وغيرهم الكثير، ساد الموت في جميع المدن، وكان الموت يتربص في المنازل وعلى الطرقات ينتظر فريسته التالية، ظنّ الناس أن ما يحدث هو عقاب من الرب عليهم، فبدل أن يبحثوا عن علاج لجأوا إلى الكنائس لتقديم القرابين ومنهم من بدأ بممارسة السحر والشعوذة ظناً منهم أن كل هذا سيقيهم من المرض، عانى الناس في ذلك الوقت من مناعة ضعيفة سهلت عملية اكتسابهم للمرض، بالإضافة إلى انتشار الجثث والموتى في الشوارع فخشيَ الأطباء من معالجتهم مما أدى كل ذلك إلى انتشار وتفاقم المرض. أدّى هذا التفاقم والانتشار إلى ظهور نوعين من أنواع العدوى؛ الأولى الطاعون الرئوي الذي يصيب رئة المريض ويبدأ بحمّى ترافق المُصاب، أما الثاني فهو الطاعون الدُمّلي الذي يسبب حمّى شديدة وظهور بثور ودمامل على جسد المصاب، تتركز على الفخذ واليد، بالإضافة إلى اسوداد الجلد، تتسبب هذه الأعراض في موت المصاب بعد بضعة أيام، وبسبب جهل الناس بكيفية التعامل مع هذا المرض أدّى لدخوله إلى كل بيت وكل جسد. بقي الطاعون مستمراً ليفتك ويقتل كل كائن حيّ يقع في طريقه حتى عام 1353، حيث بدأت الشوارع تنظف تدريجياً من الموت الفتّاك، تم تقدير العدد الذي نال منه الطاعون ليظهر أنه فتك بقرابة 60 بالمائة من سكان أوروبا وراح ضحيته 3 ملايين شخص. يظن العالم الذي نسيَ هذه القصة بأنه تعافى مما يسمى بالطاعون القاتل، ولكن لا يزال وحتى وقتنا الحالي يتم تسجيل بعض الحالات التي تثبت وجوده وعدم اختفائِه من العالم، ربما لم يكن سينتشر هذا المرض بهذا الشكل ولم يقتل هذا العدد المهول لولا الطمع بالتوسع والرغبة في السيطرة على الدول، فهل قد تعيد بعض الدول خطأ المغول وتستخدم حرباً بيولوجية لإبادة الشعوب؟ الزمن كفيلٌ بإثبات ذلك. (المصدر الجزيرة نت )