14 سبتمبر 2025
تسجيلنناقش في هذا المقال موقف الحزب الديمقراطي والرؤساء المنتمين له من دول وقضايا الشرق الأوسط. بشكل عام يشتهر الديمقراطيون بنزعتهم غير التدخلية، وبسبب هذه السمعة اللاتدخلية آثر الكثير من أعضاء الحزب الديمقراطي الانفصال عنه والانضمام إلى الحزب الجمهوري، في إطار ما عرف لاحقا بجماعة المحافظين الجدد وذلك لافتقادهم النزعة التدخلية التي تؤمن بنشر المبادئ الأمريكية ولو بالعنف في برامج الحزب الديمقراطي!. كما يشتهر الديمقراطيون بكونهم رعاة السلام الرئيسيين في الشرق الأوسط، وأنهم مستعدون دوما إلى تقديم الحوافز إلى الأطراف المختلفة من أجل حثها على الاستمرار في مسار المفاوضات. ورغم هذه السمعة الجيدة إلا أن للصورة دوما جانبا آخر، ذلك أن السجل السياسي للرؤساء الديمقراطيين إزاء القضايا العربية لم يكن مشرقا في معظم الأوقات، بل إن أشهر مشاعر العداء نحو العرب حملها رؤساء ديمقراطيون بالأساس. فمع بداية انخراط الأمريكيين بالشرق الأوسط لم تظهر إدارة هاري ترومان الديمقراطية ميولا إيجابية تجاه المنطقة، بل سادت قناعة لدى مسؤوليها (أفصحت عنها تقارير مخابراتية رفعت عنها السرية) بأن العرب كائنات غير عقلانية، لا يمكن توقع سلوكهم، ولديهم نزوع طبيعي للعنف والتطرف الديني والسياسي، وأنهم بهذه الكيفية يشكلون خطرا حقيقيا على المصالح الأمريكية في المنطقة.تكرر نفس الأمر خلال إدارة كينيدي، التي أوصى خبراء الشرق الأوسط فيها الرئيس الديمقراطي بتبني برامج تتضمن تفضيل الإسرائيليين، نظرا لعوامل تتعلق بتفوقهم العقلي والحضاري على العرب (!)، كما وصفت تقارير بعث بها دبلوماسيون أمريكيون يعملون في الشرق الأوسط العرب بأنهم قوم تسيطر عليهم مشاعر الانتقام والرغبة المستمرة في الثأر، على نحو لا يصلحون معه للعب دور الحلفاء الإستراتيجيين للولايات المتحدة. أما أشهر الرؤساء الأمريكيين عداء للعرب فكان الديمقراطي ليندون جونسون، والذي يوصف بأنه الصديق الأكثر تحمسا لإسرائيل، والعدو الأبرز للقومية العربية، وذلك منذ أن كان زعيما للأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي أواخر الخمسينيات من القرن الماضي. كان جونسون يعتبر بدوره أن الشرق الأوسط زاوية متخلفة وغريبة من العالم. وفي إحدى مناسبات العشاء في البيت الأبيض في أبريل 1964، امتدح جونسون الملك حسين عاهل الأردن لكونه "جلب تلك الأرض القديمة، أرض الإبل والنخيل، لعتبة مشرقة ومستقبل واعد"، وذلك من خلال انفتاحه على الغرب. من ناحية أخرى، لم يكن جونسون يثق في القادة القوميين مثل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وكان يصرح في جلساته الخاصة بأن المكان المناسب للرئيس المصري هو الجحيم.كما أن جونسون هو صاحب البطاقة الصفراء الشهيرة للإسرائيليين قبل قيامهم بشن عدوان 1967، فأمام العالم ظهر جونسون على أنه لم يمنح الإسرائيليين بطاقة بيضاء للهجوم، كما لم يشهر في وجوههم بطاقة حمراء تمنعهم منه، ولكنه أظهر لهم ما صار يعرف بالبطاقة الصفراء التي تؤيد الهجوم الذي شنه الصهاينة على ثلاث دول عربية دون أن تتبناه. ومرة أخرى شجعت التقارير الاستخباراتية الأمريكية الرئيس الديمقراطي على أن يقف بوضوح في صف الإسرائيليين على اعتبار أن العرب لا يمكنهم التعاطي مع فكرة الحرب الحديثة، ولا القيام بمتطلباتها، لكونهم يفتقدون الحافز والشجاعة. وعلى هذا الأساس اعتبرت حرب 1967 النقطة الفاصلة التي قررت الولايات المتحدة عندها اتخاذ إسرائيل حليفا إستراتيجيا.من جانبه كان اللوبي الصهيوني يعتبر الرئيس جونسون أهم حلفائه، وذلك منذ أن كان زعيما للأغلبية في مجلس الشيوخ وبعد أن شغل منصب نائب الرئيس جون كينيدي ثم بعد توليه الرئاسة، حيث أحاط جونسون نفسه بمجموعة من الصهاينة ومؤيديهم في كافة المناصب والإدارات الحساسة. التقارب بين الحزب الديمقراطي وبين الصهاينة امتد لما بعد جونسون، ففي انتخابات العام 1968 بين الجمهوري ريتشارد نيكسون، والديمقراطي هربرت همفري، حصل الأخير على أكثر من 85% من أصوات اليهود نظرا لتأييده الأعمى للمطالب الصهيونية على حساب الحقوق العربية.إدارة كارتر كانت أقل انجذابا ناحية الصهاينة من سابقاتها، وانخرط كارتر شخصيا في مباحثات السلام بين العرب والإسرائيليين، وهو الأمر الذي يذكر دائما ضمن مآثره، ولكن الدور الذي لعبته إدارة كارتر الديمقراطية يمكن أن يقرأ في إطار خشية كارتر والديمقراطيين من تكرار سيناريو الثورة الإيرانية في المنطقة، بمعنى أن جهود الديمقراطيين كانت جهودا محافظة، تستهدف الحفاظ على الوضع الراهن، وعدم السماح للشعوب بأن تكرر تجربة الثورة على أنظمة الاستبداد المتعاونة مع الولايات المتحدة.إدارة كلينتون أيضا ورغم دورها الإيجابي (ظاهريا) في محاولة التوصل إلى اتفاق سلام دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، انتهكت أحد الثوابت المعلنة للحزب الديمقراطي، بشأن تجنب التدخل العسكري في المنطقة، وقامت بتوجيه ضربات جوية مكثفة، كما فرضت حصارا اقتصاديا خانقا على الشعب العراقي، بحجة إرغام الرئيس العراقي صدام حسين على التعاون مع فريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما أنه خلال فترتي إدارة كلينتون في الحكم، تبلورت العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حتى أصبحت مكونا أساسيا من مكونات السياسة الخارجية الأمريكية.سلبيات الدور الأمريكي خلال إدارة أوباما تمثلت بالأساس في التراجع تماما عن محاولة دفع عملية السلام في المنطقة، وعدم التحمس لثورات الربيع العربي، والاعتراف بالمحاولات الانقلابية التي أجهضت الموجة الأولى منها في العديد من البلدان. وقياسا على هذا السجل، يمكن توقع أن يستمر الديمقراطيون على نفس النهج حال فوز هيلاري كلينتون، وخاصة فيما يتعلق بالموقف من التحول الديمقراطي، حيث يجد الديمقراطيون صعوبة كبيرة في الاتساق مع مبادئهم المعلنة، وأغلب الظن أنهم سيستمرون في دعم الأنظمة الاستبدادية القادرة على حماية أو التعهد بحماية المصالح الأمريكية في الاستقرار الإقليمي.