11 سبتمبر 2025

تسجيل

الإنفاق والاستهلاك.. في رمضان

03 يونيو 2015

لا شك أن اقتصادات الدول الإسلامية خلال شهر رمضان تتحمل ميزانياتها أعباء إضافية تتفاوت نسبتها من دولة إلى أخرى تبعا لنمط الاستهلاك السائد بها وطبقا للمستوى العام للدخل، وما يسري على الدول يسري على اقتصادات الأسر أيضا، ولكن السمة المشتركة بينهم هي الإنفاق الزائد على الطاقة والاستدانة والاقتراض لتغطية فاتورة الواردات للسلع والمواد الغذائية المستوردة، وكذلك لتغطية فاتورة الإسراف في استخدام المياه والكهرباء، ثم مخالفة ذلك لمبادئ الاقتصاد الإسلامي الذي يحسنا على الوسطية في كل تعاملاتنا ومنها المأكل والمشرب والحد من البذخ والإسراف، فما بالك إذا كنا في شهر صوم وامتناع عن المأكل والمشرب طول النهار، أي خلال نصف اليوم تقريبا، بما معناه بالضرورة الحد من الاستهلاك، لا نقول بمعدل %50 ولكن بأي نسبة كانت، فسوف تكون مرضية لو تحققت، ولكن على مر السنين لم نشهد إلا زيادة في النفقات ومضاعفة في الاستهلاك، في ظل وضع غالبية المجتمعات الإسلامية التي تعاني من أزمة اقتصادية تضطّرها إلى التخلِّي عن الكثير من تطلُّعاتها ورغباتها دوليًّا وإستراتيجيًّا، بل والتخلِّي عن كرامتها في بعض الأحيان للحصول على قروض أو معونات من الدول المانحة أو من المؤسسات المالية العالمية، أو حتى للحصول على إعادة جدولة الديون، وكنت أعتقد أن شهر رمضان سيكون فرصة ذهبية للتحرر من هذه القيود أو من بعض هذه المشاكل، حيث إنها فرصة لتدريب العنصر البشري على ضبط النفس والتوفير والادخار والحد من الإنفاق والاستهلاك، ولتكن البداية من شهر رمضان لتعزيز قدرة الاقتصاد من منطلق ديني، باعتبار أن معظم الدول النامية ومنها الإسلامية تنفق وتستهلك أكثر مما تدخر، فتصل نسبة الادخار لديها إلى 15% والاستهلاك %60، وينطبق ذلك على كل الطبقات، الأغنياء والفقراء على حد سواء، حتى أصبح الاستهلاك المفرط لدى الأسر في رمضان سمة سائدة تهدد الإمكانات الاقتصادية للدولة والأسرة على مدار العام، نظرا لتضخم الديون وعدم القدرة على السداد.وفي المقابل تشير بعض الدراسات التي أجريت عن دول الخليج إلى أن 45% من الوجبات التي يتم إعدادها تذهب إلى صناديق القمامة، كما أن الإحصاءات تؤكد أن الاستهلاك في "شهر الصوم" يرتفع بنسبة تتراوح بين 10 و40% عنه على مدار السنة، ذلك في الوقت الذي تبلغ فيه الفجوة الغذائية في العالم العربي ما قيمته 15 مليار دولار وفق إحصاءات مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، وربما ترتفع عن ذلك في الإحصاءات الحديثة.والخطير في الأمر أن وجود هذه الفجوة الغذائية يعني المزيد من الاعتماد على الخارج، واستمراء ذلك، كوننا أمة مستهلكة أكثر منها منتجة. ولم نصل بعد إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي أو إلى المستوى الذي يمكننا من توفير بعض احتياجاتنا الاستهلاكية اعتمادا على مواردنا وجهودنا الذاتية واستمرار حالة التبعية الغذائية للآخر الذي يمتلك هذه الموارد، ويستطيع أن يتحكم في نوعيتها وجودتها ووقت إرسالها إلينا، مما يهدد أمننا الغذائي، وما ينتج عن ذلك من تبعية وتبعيات تهدد حياتنا الاقتصادية، وتهدد أيضا أمننا الوطني، بل والاستقرار السياسي والاجتماعي، ومن هنا تبدو جوانب التقصير في سلوكياتنا وأنماطنا الاستهلاكية التي تجعل من شهر الاقتصاد والتوفير مجالا للشره والبذخ والتبذير، حيث ينبغي وفقا للمنطق والعقل، وبدون المعادلات أو المسائل الحسابية أن ينخفض الاستهلاك في هذا الشهر إلى الثلث، باعتبار تخفيض عدد الوجبات من ثلاث وجبات في الأيام العادية إلى وجبتين في ذلك الشهر الكريم دون سرف أو إسراف، بما يمثل ميدانا للترشيد على المستوى الفردي والمستوى العام، إذا نجحنا في صياغة نمط استهلاكي رشيد إذا استطعنا من خلاله الاستغناء عن بعض مفرداتنا الغذائية اليومية، مما يؤدي إلى صحة الأبدان والأموال، على ألا ننساق خلف وسائل الدعاية والإعلان والإعلام، المختلفة التي تلح على المستهلكين في ترويج السلع والخدمات، وحثهم على الاستهلاك المفرط في رمضان وإغرائهم على الشراء، سواء كانوا محتاجين إلى السلعة أم لا، وبشتى الطرق، من خلال السحب على المنتجات المُشترَاة، ومن خلال الجوائز اليومية في المسابقات، والجوائز الأسبوعية، والجوائز الكبرى الشهرية وكلها أساليب تشجع على الاستهلاك.