27 أكتوبر 2025
تسجيلبادئ ذي بدء، ما كنت شخصياً أرغب في دخول الجزيرة معارك مفتعلة متنوعة من الرباعي المتأزم ضد قطر ومن يؤيدها ويقف معها.. لكن الرغبة الشخصية أحياناً تتصادم مع واقع مفروض عليك. فقد كانت الجزيرة منذ ليلة غدر سكاي نيوز أبوظبي وأختها العربية، وقصة التصريحات المفبركة المرتبطة بقرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية، كانت الجزيرة هادئة تتناول الأخبار بموضوعيتها ومهنيتها المعروفة، واستمرت على ذلك النهج في بدايات الأزمة حتى دقت ساعة الحقيقة، يوم أن صارت هي ذاتها هدفاً رئيسياً لفجور دول الحصار.. بعد أسبوعين من بدء الأزمة، نشرت وكالة " رويترز" للأنباء نقلاً عن مصدر مسؤول في إحدى دول الحصار، تسريباً لقائمة مطالب الرباعي المتأزم، تتكون من ثلاثة عشر مطلباً، وعلى قطر تنفيذها جميعاً كشرط لإنهاء الحصار أو الأزمة. شكلت قناة الجزيرة أحد العناصر الأساسية أو الرئيسية ضمن مطالب دول الحصار. حيث دعوا الدوحة إلى إغلاق قناة الجزيرة والقنوات التابعة لها، بل وكل وسائل الإعلام التي تدعمها قطر، في انتهاك سافر لشأن قطري داخلي ولحرية الإعلام والتعبير.. الجزيرة تدخل المعركة قلنا في البداية إن الرغبة الشخصية شيء، والواقع الذي يتم فرضه عليك شيء آخر.. وهذا هو لب ما تم مع الجزيرة. فقد كانت كما أسلفنا، تقوم بعملها وبالمهنية المعروفة عنها في بدايات الأزمة، حتى إذا ما صارت هي هدفاً رئيسياً لهذا الحصار، شعرت القناة أن واقعاً جديداً يُراد أن يُفرض عليها ضمن ما يُراد لقطر بشكل عام، فكان لا بد من التعامل مع هذا الواقع الجديد بأسلوب عمل جديد أيضاً، وفق خطة أو رؤية جديدة ومستعجلة في الوقت ذاته، باعتبار الأمر قد صار أشبه بقصة حياة أو موت، إن صح وجاز لنا التعبير.. دخلت الجزيرة المعترك إذن مرغمة، ودخلت المعركة الإعلامية التي بدأها الرباعي المتأزم، وتولت منذ البداية وسائل الإعلام المحلية التعامل مع أحداثها ومفرداتها، حتى تعمق الأمر.. فكان دخول الجزيرة بمثابة فرض عين وليس فرض كفاية كما كان الأمر في البداية، وهذا الدخول أحدث تفوقاً وتحولاً نوعياً، حتى صارت أوجاع المحاصرين وآلامهم كثيرة وكبيرة وملحوظة، وتبعثرت على إثر ذلكم الدخول، أوراق المحاصرين الإعلامية، حتى فقدت وتخلت وسائل إعلامهم، على اختلاف أشكالها، عن كل معاني الشرف الصحفي ومبادئ العمل الإعلامي، وصارت تتنافس في الردح والابتذال مع الإعلام المصري السيساوي، بل تفوقت في أحيان كثيرة! هكذا صار المشهد الإعلامي منذ استهداف الجزيرة من الرباعي المتأزم، وقيامها بالدفاع عن نفسها وعن البلد المحاصر.. تقارير الجزيرة وأخبارها صارت موجعة ومزعجة ومقلقة، وإن حاول رموز المحاصرين، السياسيين منهم والإعلاميين وغيرهم، التقليل من شأن وفاعلية مواد الجزيرة، مع الإكثار في الوقت نفسه من توجيه أنواع الاتهامات لها.. مشاهد سلبية لكن مع استمرار هذا الحصار غير المبرر الذي وصل إلى حد السخافة – مع الاعتذار عن هذه الكلمة – استمر الشد والجذب الإعلامي بين مشاهير الجزيرة من جهة، وبقية وسائل الإعلام في دول الحصار وتوابعها على وسائل التواصل الاجتماعي، ووصل إلى المستوى الذي يتطلب التوقف عنده وضرورة ضبط المسألة، بعد أن صار التراشق واضحاً بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي لاسيما تويتر، وصار يسيء إلى رموز الجزيرة، صحافيين ومذيعين وبقية المنتسبين إليها، خاصة أن مثل هذا التجاذب والتراشق يبدأ بصناعته أناس، وظيفتهم الأساسية هي الاستفزاز والدفع بالنقاشات بشكل تدريجي إلى مستوى متدن هابط، والقصد من ذلك هو الإساءة إلى سمعة من المتحاورين معهم، وبالتالي تنتقل بالضرورة تلك الإساءة إلى المؤسسة، والتأثير السلبي على صورة وهيبة كيان إعلامي عالمي شامخ مثل الجزيرة، التي رسمت صورتها في الأذهان منذ زمن، وصارت ماركة إعلامية عالمية. لمثل هذا الذي يحصل للجزيرة الآن والمنتسبين إليها، قامت مؤسسة إعلامية شامخة قبل عدة أشهر هي " نيويورك تايمز" بإصدار مبادئ توجيهية لكافة العاملين فيها حول كيفية استخدام وسائل التواصل، معتبرة أن الصحفي تحديداً، وإن كان يغرد بحساب فردي ويعتبر آراءه شخصية، إلا أن الجماهير ستعتبر تلك الآراء تأتي ضمن سياقات وسياسات وتوجهات الصحيفة.. يقول أحد المسؤولين فيها:" من المهم أن نتذكر أن تغريدة حول ترامب من قبل مراسلينا والمحررين، ستؤخذ كبيان من " نيويورك تايمز" كمؤسسة. إن البيت الأبيض لا يميز في هذه البيئة المشحونة، فنحن جميعاً بحاجة إلى أن نكون في هذا معاً". للتواصل مبادئ وحدود فيصل القاسم، جمال ريان، محمد كريشان، أحمد منصور، خديجة، سلمى، وسيلة، غادة، حسينة وروعة، وغيرهم كثير كثير من الزملاء والزميلات في القناة، إنما هم " الجزيرة " فهكذا ينظر الجمهور إليهم. وعلى رغم أنهم جميعاً في وسائل التواصل يقومون بواجب الدفاع عن مؤسستهم، وهو الأمر الطبيعي المفترض والمنتظر، إلا أن تعمقهم أحياناً في النقاشات مع مغردين من دول الحصار، الخاوية عقول غالبيتهم، أساء لهم وللمؤسسة أكثر مما جاء بالنفع عليهما، وإن الإساءات والبذاءات التي تنهال عليهم من الذباب الإلكتروني ومن يدعمهم، لا شك أن تأثيراتها ستكون بعد قليل من الوقت، سلبية على معنوياتهم، فمهما يكن المرء منا قوياً صامداً في مثل هكذا مواقف، إلا أننا بشر نهاية الأمر.. فما نحن سوى مجموعة من مشاعر وأحاسيس متحركة، لابد أن تؤثر فينا تغريدات المتردية والنطيحة في تويتر بصورة وأخرى، مهما ترفّع أحدنا عنهم وأدى واجب الحجب معهم. إن ما أريد الوصول إليه بشكل عام، هو ضرورة قيام كل من يعمل في مؤسسة إعلامية أو سياسية أو غيرهما، بالترفع عن الحاصل الآن في وسائل التواصل. ليعمل كل منا على المهمة المناطة به في عمله، والترويج لعمله، بدلاً من خوض معارك تويترية تستهلك الوقت والجهد، مع أهمية ضبط النفس بعدم الاستجابة لمغريات الظهور والشهرة في تلك الوسائل وكثرة المتابعين. ليراجع كل منا، لاسيما الإعلاميين، حصاد التغريد منذ بدء الحصار حتى اليوم، ليتأمل كيف كان أحدنا قبل ذلك التاريخ وأين وصل الآن. سيجد تغييراً هائلاً قد حدث. الجزيرة وأهمية دعمها تبقى كلمة أخيرة في سياق الحديث عن هذا الكيان الإعلامي العالمي، لاسيما القناة العربية وموقعها الإلكتروني، القاطرتان الأساسيتان للشبكة، وفي ظل وأهمية التقييم المستمر للمشروعات الإعلامية ونحن ننهي عاماً كاملاً على الحصار، أهمية التمسك بهذا الكيان ودعمه، وإن استدعى وقف كل أشكال الدعم عن بقية المشروعات الإعلامية الأخرى التابعة للدولة هنا وهناك. إن رأس مالنا الإعلامي في قطر هو شبكة الجزيرة، وإن تأثيرها، مقارنة مع بقية الكيانات والمشروعات الإعلامية الأخرى، سواء كانت صحفاً ورقية أو مواقع إلكترونية وما شابهها، سنجد أن شبكة الجزيرة أبلغ وأجدى وأنفع بكثير. وإن الاستمرار في الصرف عليها وفق إستراتيجية واضحة بطبيعة الحال، أجدى وأنفع من بقية المشاريع الإعلامية ولاسيما الخارجية منها، حتى وإن كانت تؤدي مهامها بشكل وآخر، لأنه وعبر قياس النتائج والمردود والجدوى، تبقى كفة الجزيرة هي الراجحة والرابحة، وهي التي تستحق التعزيز والتثبيت بنفس الروح والمعنويات التي بدأت بها قبل أكثر من عشرين عاماً من الآن.. هذا ما وجب التنبيه عليه وبما سمحت المساحة به، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.