18 سبتمبر 2025
تسجيلقد نحتاج إلى آلة حاسبة لكي نستطيع عدّ الأحزاب التي شكلها الأكراد في تركيا منذ الثمانينيات وحتى اليوم.ربما يكون قانون الأحزاب التركية وقانون العقوبات أحد أهم الأسباب لكي تتناسل الأحزاب الكردية بسبب الحظر الذي كانت تواجه به المحكمة الدستورية هذه الأحزاب بذرائع مختلفة، مثل أنها إرهابية وتساعد حزب العمال الكردستاني أو تهدد الوحدة الوطنية وتثير الفتن.. التهم جاهزة وليس على الأكراد سوى تشكيل أحزاب بديلة في كل مرة تحظر فيها أحزابهم.يعبر الأكراد في تركيا عن هويتهم بأحزاب سياسية وعسكرية.. حزب العمال الكردستاني اختار الكفاح المسلح لتحصيل مطالب الأكراد والدفاع عن هويتهم.. وهو منذ العام 1984 يخوض واحدة من حروب العصابات الأكثر قسوة في التاريخ الحديث.. ومقاتلوه يتوزعون بين الداخل التركي والآن في شمال العراق في منطقة جبل قنديل بالتحديد.. وزعيمه عبدالله أوجلان اختطفته المخابرات التركية بالتعاون مع المخابرات الأمريكية والإسرائيلية في العام 1999 من نيروبي عاصمة كينيا وهو الآن يقبع في جزيرة إيمرالي في بحر مرمرة.لكن النضال الكردي لم يقتصر على استخدام السلاح بل كان يعبر عن نفسه من خلال النافذة المحدودة التي تتيحها الديمقراطية في تركيا.. وبما أن الأكراد لا يستطيعون إيصال حزب لهم إلى البرلمان بسبب عجزهم عن نيل نسبة العشرة في المئة المطلوبة لدخول البرلمان فقد كانوا يترشحون بصفة مستقلين ومن بعد أن يدخلوا البرلمان على هذا الأساس يعودون للتحرك تحت قبة البرلمان على أساس الحزب الذي ينتمون إليه وهو ما تسمح به القوانين التركية.وغالبا ما كانت الأحزاب الكردية الممثلة في البرلمان تحظر فينتقل نوابها إلى حزب جديد يكون قد تشكل مسبقا يواصلون تحت اسمه العمل السياسي داخل البرلمان وخارجه.لكن مع حزب العدالة والتنمية دخلت تطورات جديدة على قانون الأحزاب، بحيث باتت شروط إقفال الأحزاب أكثر صعوبة، وكان الهدف من القانون الجديد ليس تعقيد عملية حظر الأحزاب الكردية بل الأحزاب الإسلامية التي عانت بدورها من قرارات الحظر منذ أول حزب أسسه نجم الدين أربكان إلى ما قبل وصول العدالة والتنمية إلى السلطة.وكاد حزب العدالة والتنمية نفسه يتعرض للحظر وهو في السلطة، لكنه نجا من ذلك وكان هذا من أسباب تغيير قانون الأحزاب لتكون شروط الإغلاق أكثر صعوبة.ويمكن القول إن الوضع منذ عدة سنوات مقبول جدا بحيث لم تشهد الساحة التركية أي قرار بإغلاق أي حزب وهي التي توصف بأنها جنة الأحزاب المحظورة.لذلك، فإن ما شهدته مؤخرا الحركة الكردية على الصعيد الحزبي والسياسي كان سابقة بحيث إن المحكمة الدستورية لم تغلق أي حزب كردي، ومع ذلك فإن الأكراد ومن خلفهم بل من وحي تعليمات زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان- قرروا حل حزب السلام والديمقراطية الذي يتحركون تحت مظلته في البرلمان، وأن ينضم نواب الحزب إلى حزب جديد كان قد شكل مؤخرا هو "حزب الشعوب الديمقراطية".الحزب الجديد يضم 27 نائبا كرديا وسيعقد في 22 يونيو المقبل مؤتمرا عاما لانتخاب قيادة جديدة.أما المفارقة، أن الحزب السابق حزب السلام والديمقراطية سيخلي مكانه لحزب ثان جديد هو حزب الأقاليم الديمقراطية الذي يبدو أنه لن يخوض غمار السياسة والنيابة على مستوى تركيا بل سيهتم بشؤون المناطق الكردية فقط.يشكل أوجلان والأكراد أحزابهم الجديدة من أجل مواكبة التطورات السياسية الجديدة في تركيا وفي مقدمتها عملية المفاوضات بين أوجلان والدولة التركية لحل المسألة الكردية.كذلك يسعى الأكراد لضخ دم جديد عبر الحزب الجديد لكي يتمكنوا من الترشح للانتخابات النيابية في العام المقبل كحزب وليس بصفة مرشحين مستقلين، وهذا يتطلب جذب فئات جديدة من المجتمع لكي ينالوا نسبة العشرة في المئة.. لكن الأهم في هذه التغييرات أن الأكراد لا يزالون يراهنون، إلى جانب العمل المسلح، على ممارسة النضال عبر السياسة والعملية الديمقراطية.. كما أنه من المهم ألا يكون التغيير الذي حصل نتيجة قرارات قمعية من جانب الدولة كما كان يحصل في السابق.