23 سبتمبر 2025
تسجيلانطلقت يوم الخميس محاكمة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي بتهم تتعلق بالإرهاب رغم أن الرجل لم ترفع عنه الحصانة النيابية، ولم يصوت مجلس النواب أصلاً على رفع الحصانة عنه. وهذا أمر يسجل سابقة تاريخية في محاكمة السياسيين، ويعزز النقاش حول تسييس المحكمة وكيديتها، وإلا كيف نفهم انعقادها قبيل انعقاد "الملتقى الوطني" أو "الاجتماع الوطني" الذي يحضر له أغلب قادة الأحزاب في العراق لحل الأزمة القائمة في البلاد؟ ويا ليت الأمر يقتصر على محاكمة الهاشمي، المشكِك في صحة الاتهامات الموجهة له أصلاً، وإنما تنطلق بعد إقصاء نوري المالكي لنائبه صالح المطلك على خلفية وصف الأخير له بالدكتاتور المتفرد في الحكم والسلطة. وهو ما يشعر المراقب بالاستهداف السياسي لقيادات بعينها في المشهد العراقي. وإذا ما عدنا بالذاكرة قليلاً، نجد الانقلاب على الدستور في الانتخابات السابقة التي أعطت الأكثرية لرئيس القائمة العراقية إياد علاوي. وكان من حق الأخير تشكيل الحكومة بنص الدستور لولا التحايل على النصوص التي أوصلت المالكي إلى رئاسة الحكومة بعد دعم الكتلة الصدرية له. وبعد أن تجاوزت القائمة العراقية الموضوع، ودخلت في نقاش جدي مع التحالف الوطني من أجل بناء "دولة القانون" التي ينادي بها المالكي، وقد أفضى النقاش الذي دار بين الكتل السياسية جميعا في أربيل إلى تشكيل "مجلس السياسات الاستراتيجية" على أن يترأسه، رئيس القائمة العراقية إياد علاوي كتعويض له عن خسارته رئاسة الحكومة، ودليل من المالكي على رغبته في إشراك جميع مكونات الطيف السياسي في إدارة الدولة، حصل الانقلاب على تلك التفاهمات. وزاد الطين بلّة استمرار المالكي في السيطرة على حقيبتي الداخلية والدفاع، وكذلك القضاء، وبات كل شيء بيديه، على حد وصف حليفه في الحكم رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني. الخطورة اليوم ليست في الخلاف السياسي القائم أصلاً، ولا في امتعاض كل من بارزاني والصدر، وهما حليفان للمالكي، وإنما فيما وصلت إليه الأمور في العراق من تأزم تخطت حدود الاشتباك السياسي للحديث عن توجه البلاد نحو الفيدرالية والتقسيم بعد قرار مجلسي محافظتي صلاح الدين وديالي بتحويل المحافظتين إلى إقليمين مستقلين. وقرار مجلسي صلاح الدين وديالي لم يأخذ زخماً جدياً، لولا تلويح برزاني قبل أيام بانفصال الإقليم كلياً عن العراق في الانتخابات القادمة، في حال لم تسوى الخلافات بين أربيل وبغداد، حول قانون النفط والغاز وقضايا أخرى، وصولاً إلى إسقاط حكومة المالكي نفسها. طرح الفيدرالية أو التقسيم لم يأت من فراغ، طالما أن مكونات دينية وسياسية وصلت لقناعة بأن آخر الدواء الكيّ، وأنه لا بد من تجرع السمّ إذا كان لا بد منه، بعد أن فشلت كل الجهود لإقناع القوى السياسية الحاكمة فعليا في العراق بضرورة إشراك الأفرقاء الآخرين، وكذلك الأقليات في بناء دولة العراق. والأنكى من ذلك أن التشرذم بدأ يأخذ طابعاً طائفياً مدعوماً خارجياً، فإيران حليف قوي للمالكي، وهي لم تألو جهداً في حمايته والحفاوة به. وفي هذا السياق تأتي تصريحات نائب الرئيس الإيراني الذي دعا المالكي لبناء اتحاد بين العراق وإيران في وقت يعجز المالكي عن إقناع شركائه في البلد الواحد بالموافقة على سياساته، كما أن الهاشمي الطريد وبرزاني القلق على قوميته وإقليمه، يدفعهما معا، إلى جانب مكونات سنية مطاردة أيضاً، للارتماء بالحضن التركي لحماية حقوقهم، الأمر الذي قد يأخذ منحى طائفياً إن لم يكن أصلاً نشأ طائفياً. وهذا يأتي في إطار لعبة أكبر بكثير من طاقة الشعب العراقي وقياداته السياسية على تحمله. ولعل خارطة الطريق التي حملها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى أربيل لبدء "الملتقى الوطني" الجامع قد تخفف من غلواء هذا التوجه، شريطة أن يقدم السياسيون، لاسيَّما النفاذون منهم، مصالح العراق العليا على المحاصصة وتقاسم النفوذ.