18 سبتمبر 2025
تسجيلعندما يغيب عنك أحد أعز الأصحاب والأصدقاء الذين تقاسمت معهم حياة العيش والملح، بحلوها ومرها، بخيرها وشرها، تصبح حياتك مختلفة عن السابق، فرحيل أمثال هؤلاء الأعزاء يترك جرحاً عميقاً في النفس، يجعلنا نزهد كل شيء في حياتنا الدنيا ونكره كل ما نملك بعد أن تبدلت الأجواء من جو الفرح والسعادة إلى جو الحزن الشديد الذي لا يرحم بسبب حوادث الدنيا ونكبات الدهر. رحل صديقي العزيز محمد بن أحمد بن خميس الزامل الكواري في غمضة عين وبدون أية مقدمات ولا اعتراض على قدر الله المكتوب على عباده، غاب عنا فجأة بخبر أتاني عبر الهاتف من قبل شقيقه الأخ البار خميس الذي أعلن الخبر الحزين لي بشكل مباشر بقوله "محمد يطلبك البيحة"، كما نقول في لهجتنا الدارجة عند فقدان شخص ما، فنزل ذلك النبأ عليّ كالصاعقة، ولم أتمالك نفسي من البكاء بعد إغلاق سماعة الهاتف. رحمك الله يا محمد، لقد عشنا معاً أجمل أيام الصبا في مدرسة طارق بن زياد الابتدائية في سبعينيات القرن الماضي وانتقلنا بعدها للمدرسة الإعدادية فالثانوية، فكنت نعم الصديق الذي أحببته من كل قلبي، وفي جامعة قطر جمعتنا الصدف في قسم اللغة العربية والصحافة منذ عام 1983 م وحتى تخرجنا عام 1987 م في نفس الدفعة، وعندما وقع الاختيار عليّ لإلقاء كلمة الخريجين نيابة عن الطلبة ضمن الدفعة العاشرة، كان صديقي الراحل أول من هلل لي وفرح باختياري لإلقاء الكلمة أمام سمو أمير دولة قطر في تلك الأيام الجميلة التي لا تنسى. تفوق محمد في دراسته وكان يعرف بقوة الحفظ وعدم الاستهانة بالامتحانات، حيث يذاكر بشكل مختلف عن بقية الطلاب وبطريقة فريدة. وفي نهاية آخر فصل دراسي بجامعة قطر كان يخشى من عدم العبور في مادة "النقد الأدبي الحديث" التي يقوم بتدريسها الأستاذ الدكتور محمد عبدالرحيم كافود، إلا أنه أظهر عكس ذلك، حيث اتصل بي في اليوم التالي من الاختبار النهائي وطلب مني الذهاب إلى الدكتور كافود لمعرفة درجته النهائية وهل نجح ولو بدرجة مقبول، لأنه كان متخوفاً للغاية، وما أن دخل على أستاذ المادة حتى فاجأه الدكتور كافود قائلا: إنك كنت صاحب أفضل إجابة من بين كافة الطلاب وحصلت على تقدير ألف أي امتياز، وهنا أصيب محمد بفرحة غامرة لم تنتبه من قبل في حياته غيرت مجرى حياته واتجه بعدها لسلك التدريس في اللغة العربية بكل ثقة واقتدار بوزارة التعليم. نعم هكذا كان محمد – رحمه الله – طالباً نجيباً يعشق لغته ويعتز بها حتى آخر عمره كمعلم وإداري بقطاع التعليم، كافح من أجل الوظيفة ودافع عن المعلم المواطن وجاهد من أجل الارتقاء بالهوية القطرية. بماذا أرثيك يا محمد؟ فقد شاهدتك في كافة الوجوه التي ترقبنا، وكعادتك كنت معي في كل اللحظات لا تفارقني إبان الدراسة الجامعية، ومآثرك ما تزال أمامي، وابتسامتك الصادقة لن تغيب عني ما حييت، فأنت نعم الصديق والصاحب الأمين والوفي الذي شاركته الآهات وتجاذبنا معا أطراف الحديث وتسامرنا دون كلل أو ملل، وستبقى ذكراك غالية لأنك سكنت جوارحي.. إلى جنان الخلد يا صاحبي الغالي. كلمة أخيرة: قالوا: الصديق الحقيقي، هو الذي تذهب له، وأنت تجرّ نفسك، وبصحبتك همومك، وعلى ظهرك أوزان ثقيلة، وتعود من عنده وأنت خفيف.. كأنك لا تحمل إلا قلبه معك. [email protected]