17 سبتمبر 2025

تسجيل

مخاطر اتفاقية التعاون الاقتصادي بين تونس والاتحاد الأوروبي

03 أبريل 2015

وقّع وزير الخارجية التونسية السيد الطيب البكوش بروتوكولاً جديداً لزيادة التعاون الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي في بروكسيل يوم الثلاثاء الماضي 17 مارس 2015، يمكّن تونس من المشاركة في مختلف برامج الاتحاد الأوروبي في إطار سياسة الجوار الأوروبية وتجديد المقترح الأوروبي بإطلاق مفاوضات حول اتفاقية تجارة حرة مع تونس. ويعطي البرتوكول، مجلس الشراكة الفرصة لإبرام اتفاق سياسي على شراكة متميزة بين تونس والاتحاد الأوروبي، والتي تتجسد في خطة العمل الجديدة وتحديد الإجراءات ذات الأولوية حتى عام 2017، وتوفر خطة العمل هذه خارطة طريق طموحة تعكس إرادة تونس في تطوير الإصلاحات في جميع المجالات. ومن بين نقاط هذه الخطة مسألة السموات المفتوحة بين الجانبين والتي تمكن شركات الطيران الأوروبية بتنظيم رحلاتها إلى مختلف المطارات التونسية، الأمر الذي لا تزال شركة الطيران التونسية تعارضه. إضافة إلى توفير ضمانات أوروبية للمستثمرين الأوروبيين والعالميين للاستثمار في تونس، الأمر الذي اعتبره المحللون في تونس بأن هذا التمشي الدولي الخطير يندرج في إطار ضرب كل مقومات السيادة الوطنية والقدرات الاقتصادية للبلاد. وعرض مجلس الشراكة بحضور كل وزير الشؤون الخارجية التونسي الطيب البكوش والممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فريديريكا موغريني، سير العلاقات الثنائية وحصيلة التعاون بين تونس ومؤسسات الاتحاد الأوروبي خاصة المفوضية الأوروبية والبنك الأوروبي للاستثمار والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.. وكانت الكتلة الأوروبية،(28 دولة) قد عبرت في مناسبات عديدة عن دعم السلطات التونسية الجديدة التي استلمت الحكم في فبراير الماضي، في جهودها الإصلاحية، وتعزيز العلاقات مع تونس في جميع المجالات (السياسية والاقتصادية والتجارية والأمنية وشؤون الهجرة)، وبالتالي تكثيف الشراكة المتميزة بين الاتحاد الأوروبي وتونس. يذكر أن الاتحاد الأوروبي قد رفع السنة الماضية 2014 من دعمه المالي لتونس ليبلغ 200 مليون يورو وذلك ضمن سياسة الجوار الأوروبية. وعام 2015، يعتزم الاتحاد الأوروبي مواصلة دعم الإصلاحات في القطاعات الاجتماعية والاقتصادية خاصة، وترسيخ الديمقراطية والتنمية الإقليمية والمحلية في تونس. ويعتبر الاتحاد الأوروبي، الشريك الاقتصادي الأول لتونس الذي يستقطب 75% من جملة الصادرات التونسية ويوفر نحو 65% من جملة الواردات. بعد الثورة تم استضعاف الدولة التونسية لتمرير خطط عمل واتفاقيات ثنائية مع الاتحاد الأوروبي، باعتبارها اتفاقية مجحفة، ولأن طبيعة اتفاقيات الشراكة العربية الأوروبية من أجل التعاون بين مجموعة قوية مزدهرة تتطلع إلى المشاركة في القيادة على المستوى العالمي هي الاتحاد الأوروبي، الذي يقارب إنتاجه 30% من إجمالي الإنتاج العالمي، كما يملك أهم المواصفات الاقتصادية الأساسية للمركز: القوة الاقتصادية، والقوة التكنولوجية والقوة المالية، والقوة الاستهلاكية، وسيطرة فكره الاقتصادي، وبين الطرف الثاني تونس التي لا تملك اقتصادا قويا، فهي اتفاقية من طبيعة العلاقات الاقتصادية التي تقوم بين طرفين غير متكافئين، وينطبق عليها نظرية "المركز والأطراف" في العلاقات الدولية. فقد عادت هذه النظرية بعد انهيار الكتلة الاشتراكية واتخاذ الحكومات المنتخبة بشكل ديمقراطي كافة القرار بالتحول نحو اقتصاد السوق، لتحتل مكانة هامة في عصر العولمة الليبرالية المتوحشة. وكانت الدول الأوروبية، والمؤسسات الدولية المانحة، وكذلك الشركات المتعددة الجنسيات، تستغل مثل هذه الاتفاقيات للشراكة، سواء منها الثنائية أو المتعددة الأطراف، لكي تخترق السيادة الوطنية والسيطرة على مناطق النفوذ الجيو ـ إستراتيجية، والنفاذ إلى الأسواق تحت غطاء شعارات جذابة مثل نقل التكنولوجيا، والاندماج في الاقتصاد العالمي، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية.. هذه الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تخضع لها كل البلدان بما فيها تونس، وهنا يكمن الخطر حيث تتوفر لدى هذه القوى باعتبارها المنتجة لأحكام هذه الاتفاقيات والمعاهدات والكفاءات والخبرات القادرة على توظيف هذه الأحكام لخدمة مصالحها، وتعمل بالتوازي من خلال زرع الشك في كفاءات وخبرات بقية البلدان المستهلكة للاتفاقيات لاستبعادها عن دائرة السلطة والاستفراد بالحكومات وتمرير برامج عملها. إذا كان من أهدف الشراكة الأوروبية المتوسطية الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها، فإن الإجراءات المتخذة والتي تهيمن عليها وصفات الليبرالية الاقتصادية والنيوليبرالية وتحرير التجارة، وتنمية القطاع الخاص، تخدم مصلحة الاتحاد الأوروبي الذي هو بحاجة إلى الشريك الآخر، الدول العربية المتوسطية، ومنها تونس لتأمين نموه ورفاهه الاجتماعي وسلامه واستقراره، وذلك للأسباب التالية: أولاً - إن تحرير التجارة – وإن كان تدريجياً – بين الاتحاد الأوروبي وتونس، سوف يقود إلى بناء علاقات اقتصادية بين طرفين غير متكافئين، والحال هذه فإنها علاقات من طبيعة علاقات "المركز – الأطراف"، حيث الثقل الراجح يكون للمركز على حساب الأطراف سواء على صعيد الصادرات والواردات من السلع، والخدمات (التجارة البينية) بين الطرفين، أو على صعيد حركة رؤوس الأموال على المدى الطويل ومداخيل الاستثمار الخارجي، وبالتالي تبعية السياسة الاقتصادية والاجتماعية لتونس إلى المركز الأوروبي. وفضلاً عن ذلك تحمل الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وتونس آثارا سلبية مدمرة على الصناعات الخفيفة والتحويلية القائمة الآن والتي تشكل العمود الفقري للصناعة في عدد من الدول الغربية، الأمر الذي سيقذف بآلاف العمال إلى سوق البطالة. ثانياً: يصر الاتحاد الأوروبي على قيام منطقة تبادل تجاري حر في السلع المصنعة، وهو إصرار يلبي حاجاته ويعكس مصالحه، وذلك في الوقت الذي يتحفظ فيه على إقامة منطقة تبادل تجاري حر تشمل السلع الزراعية أو منتجات الصناعات الاستخراجية، وهي منطقة تستجيب لمصالح الدول العربية – المتوسطية. لقد عبرت عديد الأطراف التونسية من خبراء ورجال أعمال وإعلاميين ومجتمع مدني عن تخوفهم من الهيمنة الكلية للجانب الأوروبي على مفاصل الاقتصاد التونسي والقطاعات المستهدفة ببرنامج العمل في إطار اتفاقية التبادل الحر الشاملة والمعمقة، إن استعمال «إطلاق شراكة بين الجهات التونسية ونظيراتها الأوروبية في مشاريع تنموية ملموسة» ينبئ بمفاوضات مستقبلية في إطار هذه الاتفاقية بين جهات مثل سيدي بوزيد مثلا وجهة أوروبية أخرى وهو أمر يدعو إلى الاستغراب لأنه يضرب سيادة الدولة، ويفسح في المجال أمام تفكيكها من خلال إعطاء صلاحيات للجهات لتقرير مصيرها.. توجه يتساءل التونسيون عن دلالاته وعن مفهوم الشراكة من هذه الزاوية التي تضرب بعمق السيادة الوطنية. إن الشرط الضروري لنجاح الشراكة الأوروبية –التونسية أن تكون مقترنة بعملية التنمية أي ببلورة نموذج جديد للتنمية، وأي تنمية حقيقية يجب أن تكون مقترنة بعملية ديمقراطية حقيقية، ولا تتحقق هذه التنمية بمجرد التعويض النسبي عن آثار فتح الأسواق فيها دون قيود، كما أنه يجب على تونس أن تتصور أشكالا من الشراكة قادرة على النفاذ لأسواق المراكز المتقدمة من خلال امتلاك القدرة على التصنيع والتخليق الذاتي. وهي في أولى مراحل تكونها التاريخي، وعلى تعزيز قدراتها في التصدي والمقاومة ضد الأشكال الجديدة التي يتميز بها الاستقطاب في النظام العالمي الجديد.