13 سبتمبر 2025
تسجيلرأينا كيف انتصر الشعب التركي والإسلاميون وأردوغان وحزبه والديمقراطية في تركيا، ورأينا كيف كان النصر مؤزرا رفع قيمة الإنسان والسلم والإصلاح بقدر ما حط قيمة الفساد وأحبط وأفشل وأخزى قيم الكيد والمؤامرة التي تعلقت بها نظم واتجاهات الهراءة ومكر الليل والنهار في بلادنا وبلاده.الأكيد أن العشرين مليونا الذين انتخبوا أردوغان ليسو كلهم إسلاميين ولا كلهم تربوا في محاضن وفكر الإخوان، ولكنهم رأوا نجاحا فأيدوه، وقدوة صالحة فاتبعوها، وقوة فائقة فأعجبوا بها، ورأوا من يحمي مصالحهم فانحازوا إليه.. والأكيد أيضا أن في تركيا جيشا وأجهزة أمن منزرع فيها منذ وجدت عقيدة العلمانية اللادينية التي لا تعمل إلا لقتل وتسميم أي بذرة حق قبل أن تصبح نبتة.. تلك العلمانية اللادينية ليست تفسح اليوم الطريق لأردوغان وفكره تسامحا منها ولا نزولا عند منطق العدالة والشفافية، وتلك (إسرائيل) والعقارب والأفاعي التي تتذيل بها والتي ما تركت من خبيثة إلا استجلبتها، ولا من مكيدة ضد الرجل وحزبه وضد الديمقراطية إلا حاولتها. فما الذي تقوله لنا انتصارات أردوغان والإسلاميين ؛ ونحن نعاني من فقدان التوازن، ونتردد بين القناعة بالسلمية التي أتت بها الثورات أو العنف الذي يجرجرنا إليه الانقلاب في مصر والمجازر في سوريا؟ وأقول: تلك الانتصارات تقول لنا.. إن المراهنة على الشعوب مراهنة صحيحة ومحقّة، وإن نتائجها مضمونة.. مهما حطت علينا عهود الاستبداد، ومهما حاولت طائفة القائمة السوداء من الإعلاميين والسياسيين أن يكسروا إرادتها ؛ لكن هذه الثقة والمراهنة – كما تقول التجربة في تركيا - لن تحقق المأمول إلا بشرط أساس هو أن تستعيد الشعوب وعيها وهويتها وذاتها، وأن تعرف حقوقها، وأن تستحيي إرادتها، وأن يتنشأ هذا الوعي على مهل، وأن يتحرك على نضج.. تلك الانتصارات تقول لنا أيضا.. إن السلمية المتواصلة والإصرار عليها واجتناب الانجرار للعنف ليس مجرد مصلحة لكسب السلامة؛ ولكنه فوق ذلك عدة الانتصار ووقود الاستمرار، وهو الضمانة لإفشال كل كيد خارجي أو داخلي.. هذه الخلاصة لا يجوز أن نتجاوزها ولا أن تخدعنا عنها أحداث مصر واستيلاء العسكر على الحكم بالقوة، ومحاولته كسر الديمقراطية، وإلغاء الدستور.. وشيطان التطرف والفتنة والعنف إذا انطلق فإنه لن ينطلق في وجوه المجرمين والانقلابيين فقط؛ ولكنه سيضرب في اللحم الحي ويستدعي الاستبداد ويبرره. انتصارات أردوغان تقول لنا إن الإسلامية على المستوى الفردي لن تنجز مشروعا مهما كانت صافية ومهما كثر الأفراد المفككون، ما لم تجتمع كلمتهم في نسق حزبي أو اتجاهي فاعل، وتقول لنا أيضا إن الإخلاص وطيبة القلب ونظافة السريرة وحدها لا تقنع الناس دون أن يقوم ذلك على برنامج عمل وحيثيات تفصيلية تحقق الإنجازات وتفضح عجز الآخرين.. هنا يجدر التنويه إلى أن تركيا تمكنت في عهد أردوغان من الوصول إلى المرتبة الـ17 على قائمة أقوى الاقتصادات في العالم، بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن صندوق النقد الدولي، وأن الناتج المحلي الإجمالي فيها ارتفع إلى نحو ثلاثة أرباع تريليون دولار، وصارت مقصداً للاستثمارات التي تجاوزت آل 100 مليار دولار. آخر القول: انتصارات أردوغان صاغت لنا في المنطقة العربية كشعوب وكأحزاب واتجاهات إصلاحية الكثير من العناوين.. ولكن الحقيقة الكبرى التي تغلب كل العناوين هي أن منحى السلمية والديمقراطية لا يغلب، وأن المراهنة على الشعوب وعلى وسطية الفكر وجدية التنفيذ لا بديل عنه ولا جدوى في سواه، في مقابل أن منحى الانقلابات والمؤامرات والإرهاب الرسمي وبلطجة العسكر وفساد النخبة وتسول الشرعية لا يجدي مهما بدت الأمور على غير ذلك.