15 سبتمبر 2025
تسجيلالشعب العربي المتفجع في مأساته المتكررة والدائمة ليس في حاجة إلى القوت أو السلاح، لكنه في حاجة ماسة وملحة إلى بسط الحريات التي تحقق إحقاق الحق، وإبطال الباطل، وإزاحة القهر والكبت والحرمان والظلم، من جميع الفضاءات والساحات العربية التي بدأت تثور وتنتفض نشداناً لحرية التفكير والتعبير والاقتراع والترشيح لجميع المناصب والمشاركة السياسية الفاعلة.. لقد أدى فقدان الحرية إلى بروز جملة من المشكلات والتداعيات التي برزت مؤخراً على نحو لا يمكن تجاهله أو اختزاله.. وإليك بعض النماذج: لو كانت هناك حرية لما تربع معظم الرؤساء في مقاعد الحكم الوثيرة.. والمثيرة عقودا من الزمن.. دون أن تتاح الفرص للتداول السلمي للسلطة. ولو بسط هؤلاء الحرية وتوأمها الشفافية لتمكن الشعب وأجهزته العدلية الحرة من اجتثاث الفساد، ومحاكمة المفسدين الذين عبثوا بثروات الشعب وقوته وقواته،ولأصبحت الأوطان مهداً للفضائل، والمجد الأثيل، والشرف النبيل. ولو لم يتجه أولئك إلى تجهيز أقطاب منظمات المجتمع المدني، وحظر حركتهم وتحركاتهم وحركاتهم، وجعلهم يلفون ويدورون في ركاب الحزب الواحد المهين على السلطة ونوافذها وأبوابها، لما تحركت جموعهم للانقضاض على الأنظمة واقتلاع جذورها الرثة والبالية.. ترى لماذا لم تسمح تلك الأنظمة بقيام نقابات وجمعيات حرة تسعى بكل طاقاتها للارتقاء بالوطن والمواطنين في سياق المنظمات المنضوية تحت لوائها؟ فحتى نقابات العمال وجمعيات المهنيين من أطباء ومهندسين وأساتذة جامعات لا يسعهم التعبير عن آرائهم ومقترحاتهم البناءة إلا في إطار بصيص الضوء الذي يسمح به النظام.. اعتقال الصحفيين والزج بهم في السجون المقفرة، والمجالس الموحشة يمثل مثالا صارخا لتلك الأنظمة السياسية التي ترى في الرأي الآخر خروجاً على النظام والمجتمع، كما يرى بعضها أن حرية الفكر تعني الكفر.. بمعنى آخر لو كانت لدى الشعوب العربية حرية معتبرة لما لجأت الأنظمة الحاكمة إلى تشويه الحقائق عمداً. وإليك بعض الأمثلة.. * في معركة الجمل الشهيرة خلال الثورة المصرية عزا النظام ما حدث نتيجة لـ"بلطجية" لا ينتمون إلى النظام. * وأثناء وبعد الجمعة الدامية التي لقي فيها أكثر من 52 من اليمنيين حتفهم من أجهزة الأمن ومن لف لفهم، عزا النظام تلك المجزرة إلى جماعة إرهابية مسلحة. * وبالأمس فقد عزا النظام السوري الأحداث التي أودت بحياة أكثر من عشرة أشخاص إلى جماعات مسلحة تسعى للفتنة. * والأدهى من ذلك أن العقيد القذافي فسر الانتفاضة الليبية بأن وراءها "المهلوسين" وفلول تنظيم القاعدة.. إن الوطن العربي في مسيس الحاجة إلى إطلاق الحريات: حريات التفكير والتعبير، والإعلام، والانتخاب، والترشيح، استقلال القضاء، وحريات تكوين وإدارة منظمات المجتمع المدني. وينبع الاشمئزاز الشعبي الحالي من فقدان الحرية، وأن تفجر ينابيع الحرية سوف يقضي على مظاهر البؤس والشقاء والتفجع التي رانت على مجتمعاتنا العربية ردحاً من الزمن.. ويا له من زمن: إنه زمن ترنح الأنظمة المستبدة.. إنه زمن الشعب يريد حرية الأنام.