12 سبتمبر 2025
تسجيلبعد أن أدّى أعضاء الحكومة الجديدة بزعامة السيد مهدي جمعة اليمين الدستورية أمام الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، الذي يعتبر أحد أعمدة ما يُسمى بـ"الترويكا" أو الائتلاف الحاكم بقيادة "حركة النهضة"، خاطب الرئيس التونسي أعضاء الحكومة قائلاً إنهم "سيجدون عواصف تنتظرهم"، و"كمّاً هائلاً من المشاكل (الاقتصادية والاجتماعية) المتراكمة منذ 50 عاماً"، ومطالب مختلفة يريد أصحابها من الدولة أن تحققها لهم الآن. وكان المجلس الوطني التأسيسي، الذي صادق على الدستور الجديد يوم الأحد قبل الماضي، قد منح ثقته للحكومة الجديدة، حيث صوّت 149 نائباً، من أصل 193 شاركوا في عملية الاقتراع، بـ"نعم"، فيما صوّت 20 ضدها، وامتنع 24 عن التصويت. وما إن استلم رئيس الحكومة مهامه رسمياً، حتى عبّر مهدي جمعة عن استعداده لمواجهة التحديات التي تمر بها البلاد، لاسيما الأمنية والاجتماعية، مؤكداً أن أول إجراءات ستتخذها حكومته ستكون إعداد قانون موازنة تكميلي ومراجعة منظومة الدعم (دعم المواد الأساسية والمحروقات)، إضافة إلى اتخاذ إجراءات استثنائية لمصلحة الطبقات الفقيرة. ويكمن التحدّي الأول الذي يواجه حكومة مهدي جمعة في الإرهاب التكفيري، الذي يمارسه تنظيم "أنصار الشريعة" ضد المجتمع التونسي.فهذا التنظيم الذي كان متحالفاً مع صقور حركة النهضة الإسلامية، عمل على توظيف الدين لتوسيع قاعدته الاجتماعية التنظيمية، لاسيما في المناطق الشعبية الفقيرة المحاذية للمدن الكبرى، وأصدر العديد من "الفتاوى" التكفيرية ضد رموز من المعارضة اليسارية والعلمانية والليبرالية، مستفيداً من مدارس تعليم ما عرف بـ"الزمقتال" (فنّ حربي إسلامي ابتدعه أحد أتباع حزب النهضة)، ومن الأموال الضخمة التي تسربت إلى تونس من مصادر مختلفة لنشر مذاهب ومعتقدات غريبة عن الإسلام التونسي المعتدل والمتسامح الذي يتبنى المذهب المالكي، السائد منذ أربعة عشر قرناً في البلاد. وكان أبرز ضحايا هذا الإرهاب التكفيري، الشهيدان شكري بلعيد ومحمد البراهمي، اللذان اغتيلا بسبب "فتاوى" تكفيرية ومن جانب أحد خريجي مدارس "الزمقتال"، حسب التقرير الرسمي لوزارة الداخلية، إضافة إلى أفراد الجيش والشرطة والحرس الوطني، حيث صنفهم تنظيم "أنصار الشريعة"، بالطاغوت، وسقط أكثر من عشرين منهم شهداء في عمليات إرهابية. إضافة إلى الهجوم الذي شنه هذا التنظيم الإرهابي على السفارة الأمريكية بتونس يوم 14 سبتمبر 2012، ومقتل السفير الأمريكي في بنغازي، إذ تعتبر المصادر الأمريكية أن العمليتين كانتا مترابطتين ومن تخطيط تنظيم واحد. كما أن حكومة السيد مهدي جمعة مطالبة بتطبيق ما اتفق عليه في جلسات الحوار الوطني الذي رعته المنظمات الأربع، لاسيما حلّ الميليشيات المعروفة باسم "رابطات حماية الثورة"، المرتبطة بحركة " النهضة"، باعتبارها جماعات تمارس العنف السياسي ضد المجتمع، وتشكل خطراً حقيقياً على الديمقراطية.. وما لم تنتهج الحكومة الجديدة سياسة واضحة وصريحة ومتماسكة بالرفض المطلق للعنف، وبحل الميليشيات، ومحاربة الجماعات الإرهابية فإنها لن تحظى بثقة الشعب والمعارضة الديمقراطية، ولا بالمشروعية السياسية المطلوبة التي تقوم على فلسفة التوافق. وبما أن الحكومة الجديدة، هي حكومة توافقية وغير متحزبة، حيث إن معظم وزرائها من التكنوقراط، فإن الواجب الوطني والديمقراطي يقتضي منها أن تعمل على كشف الحقيقة حول الاغتيالات السياسية، والاعتداءات على قوات الجيش والأمن، ومقاومة الإرهاب وحل ما يسمى رابطات حماية الثورة، وتحييد المساجد عن التوظيف السياسي والحزبي، وتحييد الإدارة، إضافة إلى بناء أجهزة أمنية جمهورية، لا حزبية خاضعة لمصالح حركة النهضة ومخططاتها الأمنية المتناقضة مع المجتمع الذي يرفض الاغتيالات السياسية وكلّ ما له علاقة بالعنف من قريب أو بعيد... هذا المجتمع المسالم الذي رفض دائماً الاحتكام إلى السلاح والمرتبط بثقافة الحياة، لا يصدّق أن وراء اغتيال شخصية مثل السيد شكري بلعيد، وهو رئيس حزب يساري، فلول النظام السابق.