31 أكتوبر 2025

تسجيل

جدل تونسي حول مصداقية رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة

03 يناير 2015

شهد يوم الجمعة 26 ديسمبر الماضي قصر قرطاج مناوشات حادة بين السيدة سهام بن سدرين رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة وأعوان الأمن الرئاسي الذين منعوها من الاستحواذ على أرشيف قصر قرطاج الذي يعود إلى300 سنة مضت، أي منذ بدايات تأسيس الدولة الحسينية من قبل البايات سنة 1705، حيث تمسكت ابن سدرين بحقها في نقل الأرشيف من القصر إلى مقر الهيئة، وهذا ما رفضه المدير العام توفيق القاسمي الذي أكد أنه لن يسمح بإخراج أي وثيقة، ولم تفاجئ هيئة الحقيقة والكرامة الأمن الرئاسي فقط، بل فاجأت الحكومة والأحزاب وكل المتابعين للشأن العام والملاحظين، عندما توجّهت رئيسة الهيئة مع بعض أعضاء الهيئة إلى قصر قرطاج مصحوبة بست شّاحنات ثقيلة، لنقل أرشيف القصر الرئاسي لوجهة ما. وحين منع أعوان الأمن الرئاسي سهام بن سدرين رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة والمجموعة التي معها من دخول قصر قرطاج والاستحواذ على أرشيف القصر اتهمتهم بأنهم يحاولون الانقلاب على رئاسة الجمهورية، واتهمتهم أيضاً بأنهم يعرقلون عملها موجهة لهم الكلام قائلة بغضب «أنا أكبر سلطة في تونس».يتفق معظم المحللين في تونس، أن ما قامت به السيدة سهام بن سدرين رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة يعتبر عملاً غير لائق، وغير بريء، ويحتوي على نية سيئة مسبقاً، لاسيَّما وأنها اختارت توقيتا مريباً للغاية، وتحديدا قبل فترة قصيرة من تسلم الرئيس الباجي قائد السبسي مقاليد رئاسة الدولة التونسية من الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي في قصر قرطاج بعد أداء اليمين الدستورية في مجلس النواب يوم الأربعاء 31 ديسمبر الجاري، وهو ما يدل على وجود مخطط للتلاعب بالأرشيف من قبل بعض الأطراف السياسية وإدخال البلاد في حالة من الفوضى والبلبلة وتصفية الحسابات الشخصية. وفضلاً عن ذلك، لا مجال للأمن الرئاسي أن يسلم أرشيف قصر قرطاج بهذه الطريقة غير القانونية، إذ إن كل الوثائق المتعلقة بالقصر ملك للدولة والحفاظ عليها من أولويات الأمن الرئاسي، خصوصاً أن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي سيتسلم القصر في الأسبوع المقبل ولا مجال لأي جهة أن تتجاوز صلاحيتها إلا بإذن، وما قام به الأمن الرئاسي يعتبر عملاً تاريخياً، سيحسب للإدارة العامة لهذا السلك التي كانت مواقفها ثابتة وتصدت لمحاولات البعض بتسييس المؤسسة الأمنية، وهذا ما جعل توفيق القاسمي المدير العام للأمن الرئاسي، يمنع أي جهة من دخول القصر والاستحواذ على الأرشيف الذي يحتوي على تاريخ تونس من عهد البايات وإلى غاية اليوم، مؤكداً في هذا السياق بأن هذه المحاولة لم تكن الأولى بل هناك محاولات غير مباشرة لوضع اليد على الوثائق. فالحصول على الأرشيف ليس بالسهولة التي يتوقعها البعض،لأن هناك إجراءات قانونية وقضائية، ويجب أن يتواجد أيضا خبير في الأرشيف يتسلم كل وثيقة بمحضر رسمي. فالأرشيف هو ملك للدولة التونسية، ويتضمن الذاكرة الوطنية للشعب التونسي، لا يجوز التفريط فيه لأي جهة دون وجه قانوني.في هذا السياق، قال أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد إن القضاء مطالب بتحديد بعض المفاهيم التي وردت بنص القانون الأساسي عدد 53 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 والمتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها على غرار النفاذ إلى أرشيف الرئاسة فقط أو مده إلى الهيئة لحمله إلى مقرها ليتمكن بذلك من الحسم في هذا الإشكال القانوني.تناول هذه القضية يفترض الرجوع إلى القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها كما يفترض العودة إلى القانون المتعلق بحماية المعطيات الشخصية وبالحكم القضائي المتعلق بتعيين المتصرف القضائي للتصرف في الأرشيف الذي كان على ذمة لجنة المرحوم عبد الفتاح عمر والموضوع لدى الرئاسة.الأستاذ خالد الكريشي عضو هيئة الحقيقة والكرامة التي عُهد لها دستوريا بتنظيم العدالة الانتقالية يقول إن قرار الهيئة بأخذ الأرشيف يستند أساسا إلى الفصول 40 و52 و53 و54 و56.. من القانون عدد 53 لسنة 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها. وبالرجوع إلى الفصل 40 من هذا القانون الأساسي، فإنه ينص على حق الهيئة في «النفاذ إلى الأرشيف العمومي والخاص بقطع النظر عن كل التحاجير الواردة بالتشريع الجاري به العمل». كما ينص بحقها في الاستعانة بالسلطة العامة لتنفيذ مهامها المتصلة بالتقصّي والتحقيق والحماية.يتفق أساتذة القانون الدستوري، والخبراء في القانون، بأن الفصل 40 يتحدث عن النفاذ للأرشيف العمومي وليس نقله من مكانه، إذ إن النفاذ يعني الاطلاع وليس التحوّز أو النقل وبالتالي فإن سعي هيئة الحقيقة والكرامة إلى نقل أرشيف الرئاسة إلى مقرها هو إجراء نابع عن تأويل وليس عن نصّ. وبالعودة إلى الفصل 56 من القانون عدد 53، فإنه ينص على أنه «يمكن لرئيس الهيئة عند اكتشاف وثائق يخشى إتلافها أو عند وجود أدلة جدية حول اقتراف انتهاكات تدخل ضمن اختصاصها أن يأذن باتخاذ الإجراءات التحفظية اللازمة لحفظ تلك الوثائق والأدلة ولمنع مرتكب تلك الانتهاكات من إحالة الأموال والممتلكات موضوع الجريمة أو تبديلها أو التصرف فيها أو نقلها أو إتلافها». ويقول الأستاذ عبد الناصر العويني المناضل الثوري والمحامي في هذا الصدد، إن تحرّك هيئة الحقيقة والكرامة الآن بالذات هو تحرك سياسي يفقدها حيادها وبالتالي مصداقيتها. فالسرعة في نقل الأرشيف من القصر الرئاسي قبل نقل السلطة يعتبر نوعاً من الاتهام المسبق الذي يفقد هيئة الحقيقة والكرامة حياديتها، إضافة إلى أنه ليس لهيئة الحقيقة والكرامة الحق أصلا في نقل أرشيف رئاسة الجمهورية برمته، وهو عبارة عن ذاكرة وطنية لا يمكن وضعها خارج إطار مكانها، لاسيَّما أن الأرشيف يتضمن معطيات شخصية لا يحق لأي جهة المساس بها.يرى النقاد للسيدة سهام بن سدرين، بأن السعي للحصول على أرشيف الرئاسة قبل نقل السلطة من المرزوقي إلى السبسي هو سعي لاستعماله للابتزاز وكتابة «كتاب أسود» آخر مثلما فعل المرزوقي مع الصحفيين عندما واجهوه بالنقد. إذن قضية نقل هيئة الحقيقة والكرامة لأرشيف رئاسة الجمهورية إلى مقرها يعتبر بالنسبة إلى الحقوقيين والمحامين تجاوزا لصلاحياتها وللسلطة إذ يتساءل الأستاذ العويني لماذا سارعت سهام بن سدرين في الحصول على أرشيف الرئاسة في هذه الفترة بالذات رغم علمها بعدم أحقيتها قانونا ولم تتوجه للحصول على أرشيف وزارة الداخلية.السيدة سهام بن سدرين تتحدث دائما عن أن هيئة الحقيقة والكرامة المعنية بتحقيق العدالة الانتقالية هي هيئة دستورية، ويجب أن تتعامل من موقف الندية مع هيئة رئاسة الدولة، والحقيقة ليست كذل، ومن دون الدّخول في التفاصيل القانونية، تجدر الإشارة إلى أنّه بالرجوع إلى الدستور والقانون الأساسي للعدالة الانتقالية والنظام الدّاخلي لهيئة الحقيقة والكرامة، يتّضح أوّلا وخلافا لما يقال إن هيئة الحقيقة والكرامة ليست من بين الهيئات الدستورية الخمس والمتمثّلّة في هيئة الانتخابات وهيئة الاتصال السمعي البصري وهيئة حقوق الإنسان وهيئة التنمية المستدامة القادمة وهيئة الحوْكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.ونظرا لانشغال التونسيين بأمر الانتخابات التشريعية والرئاسية طيلة الشهرين الماضيين، وضعت هيئة الحقيقة والكرامة لنفسها نظاما داخليا في 22 نوفمبر 2014 وسّعت فيه صلاحياتها وخالفت في عدّة نصوص منه الدستور والقانون العام والقانون الأساسي المنشئ للهيئة، ومرّة أخرى يوضع النظام الدّاخلي في غفلة من الجميع، ولم يقع الطعن فيه، إلى درجة أنه ساد الاعتقاد لدى العديد من المتابعين، بأن هذه الهيئة لا تُؤخذ مأخذ الجد، ونلمس هذا الانطباع لدى الرأي العام من خلال ما يكتب وينشر عن هذه الهيئة.