16 سبتمبر 2025
تسجيلفي مطلع العام الجديد تختلف الآراء في تقدير حالة الربيع العربي واستشراف ما سيكون عليه هذا العام قربا أو بعدا من تحقيق غايات وطموحات الثورات أو نقص ذلك أو عدمه ووقوع انهيارات اقتصادية كبيرة واستحرار القتل والقتال واستشراء التدمير في بلاد هذه الثورات.. بعض المحللين وهم أصلا يحسنون الظن في هذه الثورات يتجاوزون الوقائع على الأرض فيتوهمون أن النصر وراء الباب ؛ فيما فريق آخر يكرهون الثورات إما عن جهل بمضمونها أو عن سوء ظن بها أو عن فساد وتورط ضدها وإما انحيازا لانتماءات شخصية وحزبية تنافسية معها فهم يرونها تهددهم فيبالغون في البحث عن نواقضها ونواقصها والمنفرات عنها والمشوهات لها.. لكن ما تجب ملاحظته هو أن جميع المحللين تلتقي تحليلاتهم على أن الثورات صارت حقيقة واقعة بذاتها في بعض البلاد وبمفاعيلها وتأثيراتها في سواها من البلاد التي لا تزال تحلم بالتغيير.. وأقول: الأكيد أن على من يتصدى للتحليل السياسي أن يكون صادقا مع نفسه وموضوعيا محايدا في نظرته.. فليس يصح أن تتحكم فيه النوازع الشخصية والمماحكات الحزبية ليرسم صورة متمناة أكثر منها مقنعة وهو وحده الذي يراها وليس بالضرورة أن غيره مثله أو مثل من هم على شاكلته.. وأقول: الثورة في فلسطين أنجزت بضربها تل أبيب ومستوطنات الضفة وبصمودها في مواجهة العدوان مضافا لتحرير الأسرى قبل عام، ذلك أفضي بالضرورة إلى مزيد من استقرار المقاومة وتجذر معادلاتها والقناعة بها، بقدر ما قرر في ذهن العدو أن مواجهتها تعني المزيد من الإحباط والفشل والخزي له ؛ وبقدر ما تقرر في ذهن السلطة أن لا سبيل لإنهاء الانقسام بين الضفة والسلطة من جهة وبين المقاومة وغزة من جهة أخرى إلا على قاعدة الاعتراف بالمقاومة ورفض كل التدخلات الضاغطة للاشتباك معها والتنسيق ضدها.. هذا الناتج إذا أضفناه لما تعانيه السلطة في الضفة من العدو بسبب الخطوة تجاه الأمم المتحدة وبسبب الاستيطان النشط وتعطل عملية التسوية.. فإن استشراف المستقبل على هذا الأساس يقول إن التغيير في محيط العام الجديد سيتجاوز غزة إلى الضفة وسيتجاوزهما إلى مجمل المشهد الفلسطيني في كل تفاصيله وأداءاته؟! وفي مصر ؛ بعد أن كان مكر أحمد الزند وتهاني الجبالي والنائب العام والمجلس العسكري ومن لف لفيفهم من قادة أجهزة ومن فلول وبلطجية.. بعد أن كان مكرهم لتزول منه الجبال.. إذ بهم اليوم وبتوفيق من الله تعالى للثورة وبحنكة من الرئيس في حمايتها وبوعي من الشعب المصري في رفدها والالتفاف حولها ؛ إذ بهم – خصوم الثورة - يخسرون كل معاركهم ضدها حتى الآن على الأقل.. ألم يقبل الشعب المصري الدستور ويمرره؟ ألم تتفكك كثير من مكونات ما تسمى جبهة الإنقاذ حتى من المؤسسين؟ ألم تنحز أغلبية الثلثين للرئيس رغم كل الحروب الإعلامية والترويجية والمالية التي خاضها الإعلام المضاد؟ ألم تحل الهزيمة بالمتآمرين؟ أين أقوى رجلين في المجلس العسكري " طنطاوي وعنان "؟ وأين المجلس العسكري كله من المشهد السياسي الحالي؟ وأين رموز الثورة المضادة؟ أين تهاني الجبالي؟ وأين عبد المجيد محمود " النائب العام " السابق الذي لم يكن همه النيابة عن الشعب بقدر ما كان تعطيل مفاعيل الثورة وحماية الفلول؟ وأين مليونيات ميدان التحرير وقصر الاتحادية.. ولماذا وعلام انفضّوا؟ كل هذه مؤشرات واقعية لا يختلف على وجودها اثنان ولا يتناطح في الإقرار بدلالاتها كبشان، فالثورة المصرية تواصل انتصاراتها.. فإذا رمينا النظر إلى أبعد مما يجري الآن وحاولنا استشراف المستقبل ؛ فإلى أي الاتجاهين تسير الأمور؟ وأي الفريقين في اتجاه البقاء وأيهما في اتجاه التفكك والتلاشي والانفضاض؟ لنسترشد بنتائج الاستفتاء الأخير.. حيث اجتمع كل خصوم الرئيس وخصوم الثورة وخصوم مصر (من ليبراليين وقوميين وناصريين وعلمانيين.. مدعومين من الخارج وغير مدعومين، و– للأسف - بعض الإسلاميين، ومعهم الغوغاء والفلول) في صعيد واحد ثم لم يحصلوا إلا على نسبة الثلث وهم الذين في انتخابات الرئاسة قبل ستة أشهر كانوا يمثلون مجتمعين أكثر من %75.. الحقيقة أن من لا يرى ورطة هؤلاء هو لا يرى الشمس في رابعة النهار.. وفي سوريا ؛ ها هو النظام المعادي شعبه.. ها هو يفقد كل يوم مواقع جديدة، إن على صعيد المواجهة العسكرية والميدانية أو على صعيد السياسة والدبلوماسية أو على صعيد التقبل الفكري لدى الرأي العام.. وها هو الشعب السوري الذي ظل لأكثر من خمسين سنة يتجرع الآلام ويعتصر المرارات ويفتقد لأبسط درجات الأمن النفسي والوطني.. ها هو يثور! وها هو يصنع قياداته! وها هو يتواصل مع العالم كله كما لو كان عمر ثورته عشرات السنين.. أعتقد أن انكسار هيبة النظام السوري، وانكشاف شرعيته القانونية والأخلاقية والوطنية والقومية، واستمرار الثورة ضده وتصاعد وتائرها.. قد أنجز حصيلة إستراتيجية لا تجوز الغفلة عنها أو عن آمادها في المستقبل ؛ هي أن الشعب السوري لن يقبل بهذا النظام ولا بجزء منه لا كأشخاص ولا كأيديولوجية ولا من أجل مصالحة ولا من أجل وساطة ولا ضمن تسوية.. وعليه فأي هزيمة لشعب هذا حاله واتجاهه؟! وأي بقاء لنظام هذا خسرانه وافتضاحه؟ آخر القول: صحيح أن التحديات التي تستهدف الثورات العربية وتحاول القضاء عليها وإرباكها وتحريفها لن تتوقف ؛ لكن صحيح أيضا أن هذه الثورات تكاد تصل خط النهاية، وربما لن ننتظر حتى نهاية العام الحالي ليتحقق ذلك..