14 سبتمبر 2025
تسجيلالسادس من يناير القادم يوافق الذكرى السنوية الأولى لواحد من أفاضل علماء الأمة الإسلامية والعربية ورجالات العلم فيها، خاتمة المحققين، الأصولي اللغوي المؤرخ عبدالعظيم الديب (رحمه الله تعالى)، الذي وافته المنية في قطر بعد جهاد طويل في خدمة دينه، ومعاناة طويلة مع المرض، رحمه الله رحمة واسعة، وجعل الفردوس مثواه، وجزاه خيراً على ما قدمه لدينه وأمته. وللفقيد ملكية علمية أصيلة في عيون العلماء، وتعد موسوعته الفقهية "نهاية المطلب في نهاية المأرب"، خدمة جليلة للمكتبة الإسلامية، كما وصفها الشيخ القرضاوي، وعن معاناته في تحقيق (نهاية المطلب...) يقول الدكتور القرضاوي: "أنا أدرى الناس بما عاناه الدكتور الديب في تحقيقه لهذا المخطوط، من حيث جمع أصوله المبعثرة في شتى مكتبات العالم، فقد ظل يقرأ فهارس المخطوطات ويتتبعها، ويزور المكتبات هنا وهناك بنفسه، ويسأل العارفين، بالأصدقاء، وأنا منهم، ليبحثوا له عن نسخ من الكتاب، حتى جمع أقصى ما يمكن الحصول عليه من أجزاء الكتاب من فطانه في العالم عن طريق التصوير". وأضاف القرضاوي: "جهد الديب جهده حتى جمع من الكتاب عشرين نسخة صورها من مكتبات العالم في القاهرة والاسكندرية وسوهاج من مصر، ودمشق وحلب من سوريا، والسلطان أحمد وأيا صوفيا من تركيا، ولكن لم توجد منه نسخة كاملة وبلغ عدد مجلداتها (44)". وفي موضع آخر قال الشيخ القرضاوي متحدثاً عن العلامة الديب: "عرفت د. الديب –منذ يفاعته- رجل صدق.. صدق مع نفسه، وصدق مع ربه، وصدق مع أصدقائه، وصدق مع الناس أجمعين، مستمسكاً بالعروة الوثقى لا انفصام لها"، وتابع: "عرفته قوي الإيمان عميق اليقين، نير البصيرة، نقي السريرة، يقظ الضمير، حي القلب، جياش العاطفة، طاهر المسلك، بعيدا عن الريبة"، وأضاف: "عرفت فيه الحماس والغيرة لما يؤمن به، لا يضن بجهد ولا وقت ولا نفس ولا نفيس في سبيل ما يؤمن به، مدافعا عنه، وإن خالفه الناس، وقد يغلو في الدفاع عن بعض الفصائل الإسلامية حتى يحسبه سامعه من المتشددين، وما هو منهم". وبيَّن أن "د. الديب عالم بحاثة دؤوب طويل النفس، دقيق الحس، نافذ البصيرة له ملكة علمية أصيلة..". ويقول عنه الأديب الشاعر الدكتور جابر قميحة: "لقد كان زميلا وأخا، وقد زاملني في كلية دار العلوم، وذكر أنه كان طاقة كبيرة في النشاط الذهني والحركي كذلك، وكان كثير الاطلاع مغرما بالعلوم الشرعية..". ويضيف د. جابر قميحة: "وكان آخر لقائي به في اجتماع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وأذكر ليلتها داعبته قائلا: يا دكتور عبدالعظيم، نريدك أن تنتقل للعمل في القاهرة حتى نمتع أنفسنا بك وبعلمك، أم أن هناك مشكلة تمنعك من ذلك؟ فضحك وقال: المشكلة ليست فـيَّ، ولكن المشكلة في المكتبة فنقل مكتبتي يحتاج إلى طائرة أو باخرة خاصة". هذا عن زملائه العلماء، أما عن كاتب السطور، فقد كان يتردد عليه في مسكنه القريب من جامعة قطر للزيارة والاستفادة من علمه الغزير، وفي إحدى هذه الزيارات أهداني كتاباً من تأليفه بعنوان: "نحو رؤية جديدة للتاريخ الإسلامي"، والكتاب بحق صرخة تنبيه للدعاة والعلماء وغيرهم، ودعوة لمراجعة تاريخنا وتطهيره من الأكاذيب، والأباطيل، وتحقيق الحق في مثل هذه القضايا: يوم السقيفة – يوم الدار – يوم الجمل – صفين – يزيد بن معاوية – هارون الرشيد – الحملات الصليبية على الحرمين الشريفين – دور المماليك في الحضارة الإسلامية – دور العثمانيين في حماية الإسلام والدول العربية والحرمين الشريفين – نابليون وإجهاض نهضتنا..." إلخ. أسأل الله أن يرحمه وينزله فسيح جناته، وأن يعوضنا خيراً منه إن شاء الله.