12 سبتمبر 2025
تسجيل* هل تصورت الكلام وقد مات فأصبحت عيياً، أبكم، غير قادر على تحريك شفتيك، يديك، عينيك لأن بلاطة ثقيلة تجثم فوق صدرك فتمنعك القدرة على التنفس؟ كيف مات الكلام؟ بالحمى؟ بانفلونزا كورونا؟ بالسكتة؟ لا.. بالصدمة! آه مات بالصدمة عندما لم يصدق ما رأى، أنا جربت كيف يموت الكلام ويترك صاحبه طريحاً، جريحاً، نازفاً، يصرخ بلا صوت، يبكي بلا دموع، يتفتت، يتشظى، تذروه قوة الصدمة في كل اتجاه حتى لا يكاد يلملم ذاته! أنا جربت كيف يموت الكلام عندما رأيته ممدداً على الأرض ينزف قلبه بطلقات وطن (بيبوس ولاده بالرصاص الحي) بينما إخوانه يحاولون إسعافه،يحاولون، ولا يستجيب، يحاولون فلا يطمئنهم بأنه يسمعهم لا بكلمة ولا إيماءة، يستميتون في إيقاظه من دمه إلا أنه يؤثر وداعهم بشهقة أخيرة أسلم بعدها الروح! لم أر في حياتي أحداً يموت إلا (محمد رضا) رأيت شهقته الأخيرة عبر الجزيرة، تصورت لحظتها وجه أمه وقد أبلغوها أن حبيبها وابن عمرها قد مات، وأنها بعد اليوم لن تراه، ولن تسمعه، ولن تكلمه، سافر الحبيب سفرة لا عودة بعدها، تصورت وجهها، اكتواءها، عويلها وهي تنادي (محمد) فلا يرد، تصورت لوعتها وهي تقبل قميصه الغارق بدمه، وكل ما تبقى من إنسان ميت باحتراق لا وصف له، تصورت، تخيلت مشهداً عصياً على الاحتمال فتلبسني وجع عظيم ولحظتها مات الكلام! * خطفني قلبي بأبيضهن الناصع، ووجوههن الباسمة رغم الحدث الجلل! إنهن بنات حركة سبعة الصبح، وقد يكون سبعة الصبح موعدك لاحتساء فنجان قهوتك المضبوطة، أو شايك المفضل، أو قد يكون وقتاً ضاقت بك فيه الدنيا فلجأت إلى النهر أو البحر لتفضفض أنفاسك بأوجاع صدرك المتعب، وروحك المرهقة، لكنهن كن على موعد آخر غير مواعيدنا ليقلن ما يردن دون خوف ولا رهبة! لمحتهن وهن خلف القضبان متماسكات، باسمات، لا ذهول كالذي اعتراني، ولا صدمة كالتي انتابتني من قسوة الحكم الانتقامي لجرم اسمه رفع (البلالين) الصفراء التي عكرت صفو الصفاء في شارع الضباب! الحكم الترويعي لم يصبهن بأدنى ضجر، وجوههن تشي براحة عجيبة وكأنهن في منتجع خمس نجوم وليس في قفص الاتهام! أتابعهن مهمومة موجوعة والتهم شغب، وبلطجة، وحيازة سلاح، وتجمهر، وإتلاف، والحبس أحد عشر عاماً ليس سهلاً ولا هو نزهة، لا يأبهن لهمومي ولا لقلقي عليهن، يرحن يسلمن على من تطوله أياديهن لأسأل مضطرة بعد هذا الحكم الانتقامي: هل تخلى القاضي عن حياده؟ وهل كان بعيداً أن يفاجأ القاضي بابنته مع (بنات اسكندرية) تقف متهمة بنفس التهم العجيبة؟ ماذا تراه كان سيفعل لو كانت ابنته بينهن؟ هل كان سيخفف حكمه أم يفرج عن المقبوض عليهن وفوراً؟ ثم يفاجئنا خبر الإفراج عن فتيات الثوار اللائي تظاهرن أمام (الشورى) منذ عدة أيام بعد تدخلات الكبار، ومناشدات أصحاب الشأن! ويتعبنا ويوجعنا سؤال لماذا أفرجوا عن الثائرات أصحاب كروت الواسطة ولم يفرج عن بنات سبعة الصبح؟! مضطرة أسأل: من يمثل قضاء مصر الشامخ هل سجن زيد وإطلاق سراح عبيد، أصبح بمكالمة أو بتوصية؟ شرفاء القضاء عندهم بالتأكيد الجواب الشافي، وقلبي على قاصرات يزج بهن مع الساقطات، والواقعات، والمدمنات ومسجلات الخطر لأنهن لا بواكي لهن!! * أين المجلس القومي للمرأة من قضية بنات اسكندرية؟ لماذا يخفت صوت المجلس الذي علا في أمور كثيرة لم تستحق الصراخ والزن؟ * هل يعقل أن يحبس طالب بالمرحلة الثانوية بكفر الشيخ 15 يوماً على ذمة التحقيق بتهمة حيازة مسطرة عليها شعار رابعة؟ سؤال معتوه! * أمس امتلأ ميدان التحرير بالطلاب وقد شملتهم فرحة عارمة، تقافز، صفافير، تصفيق، سجود، ابتهاج، قبلات تهنئة، دعاء، اصطفاف لصلاة الغائب، حتى فرقتهم قوات الأمن، السؤال: إلى متى كر وفر، ضرب وقتل، فوضى وعناد؟ إلى متى؟ ومن ذلك الـمُصر على صب الزيت على النار لحرق مصر؟ * * * طبقات فوق الهمس * يا ولاد الحلال حد شاف بنت تايهة؟ حد شاف بنت تايهة نَفَسها عنبر، ضحكتها سكر، جمالها وحسنها ما تكرر؟ حد شاف بنت تايهة بتسقي بودها العطشان، من زمان، نيلها النجاشي لونه مخطوف وقلبه حزنان؟ يا ولاد الحلال حد شاف بنت حلوة ضفايرها سارحة في الغيطان، خدودها وردي، توبها وردي، ماشية تقول آه يا كبدي، آه يا ولدي؟ * هبة النيل مصر في سفينة التيه تتقاذفها الأمواج، يحوطها الخطر، تترصدها الحراب، تبتعد إلى المجهول، والقوم يتساءلون متى ترى عيوننا اليابسة؟ متى نرى منارة أو مرفأ، أسئلتهم وأصواتهم المبحوحة تذهب سدى ويعود صداها محملاً بطعم أحزان لا وصف لها. * اللهم استجب لدعاء الموجوعين واحفظ مصر من كل سوء.