14 سبتمبر 2025
تسجيلأذكر المرة الأولى التي تقدمت فيها بطلب للعمل كمذيعة بإذاعة قطر، كان الاختبار الأول المطلوب مني اجتيازه هو الكتابة في مواضيع مختلفة وكأنني في امتحان أو اختبار الإنشاء، كنت أنا ومجموعة من الزميلات والزملاء المتقدمين لنفس الغرض تم توزيعنا تماما كما في جلسات الامتحان على كراسي وطاولات متباعدة وتم توزيع الأوراق علينا والمطلوب من كل واحد أن يكتب ما لا يقل عن صفحة واحدة في كل موضوع.. هكذا فجأة دون اجتياز أي دورة تدريبية وأخبرونا أن هذا الاختبار هو الذي سيحدد ما إذا كنا مؤهلين للتدريب الإذاعي أم لا، أتذكر أن الموضوعين المطلوبين مني أحدهما موضوع عن الربيع والآخر عن الازدحام المروري، موضوعان في غاية الاختلاف حيث الربيع مجال خصب للإبداع والتعبير بالصور الشعرية والأدبية أما الازدحام فموضوع تقريري بحت لا مجال فيه للتعبير أو حتى الخيال، والهدف أنه من خلال تلك المواضيع يتم الكشف عن القدرات الإبداعية والثقافة العامة للمذيع وقدرته على التعبير وإيصال وجهة نظره إلى الآخرين.. في تلك الأيام لم أكن أعرف مدى أهمية هذا الاختبار ولكن مع الأيام اكتشفت أن الثقافة والقدرة على التعبير من أهم مقومات المذيع بل هي أهم من الصوت والأداء والشكل فالمذيع ليس كالببغاء يكرر ما يجده مكتوبا أمامه لكنه إحساس ومشاعر يشكلان حضوره القوي الذي يمكنه من خلاله احتواء كل وجهات النظر من الجميع على اختلاف مستوياتهم الفكرية ولا يخفى على أحد أن مقدمي البرامج بشكل خاص يفترض أن تتوافر فيهم شروط معينة، وذلك لأهمية المواد التي يقدمونها من جهة ولأنها موجهة إلى شرائح عدة من المجتمع من جهة أخرى ولا شك أن اللباقة في الحديث وسرعة البديهة والتلقائية والثقافة الواسعة وطلاقة اللسان من أهم مقومات مقدم أي برنامج مهما كان نوعه وتخصصه، وبدون هذه المقومات فقد يخرج المذيع بصورة جامدة وبأسلوب متعب ومحاولات يائسة في التصنع وإقناع المشاهد والمستمع بتواجده وحضوره برغم الارتباك الواضح على صوته وعلى ملامح وجهه وبالتالي فإن المشاهد أو المستمع حتما سيعزف عن المتابعة ولاشك أيضاً في أن ثقافة المذيع وسعة اطلاعه تساعده في رفع مستوى البرنامج الذي يقدمه بل تعزز قيمة المادة التي يعرضها وتحقق مصداقيتها للمشاهد أو المستمع وإلى أبعد من ذلك حين تعمل على تقوية خطوط التواصل بينه وبين الجمهور، فتوجيهات المخرج وحده لا تكفي والمادة المعدة وحدها لا تكفي لخلق روح البرنامج والحضور القوي للمذيع المقدم للبرنامج فبقدر ما يكون أسلوب وطريقة المذيع في طرح الموضوع وطرح أسئلة الحوار بالأساس يتحدد شكل الحوار وآليته وتضفي عليه البصمة الخاصة بالمذيع نفسه وبحضوره الذي يجب أن يكون مميزا ومختلفا عن غيره وتعطي انطباعا جيدا لدى الضيف والمتلقي بأنه أمام شخص مثقف ذي رؤية وثقافة مميزة. مقدم البرامج المثقف هو الذي يعي أن دوره ليس فقط طرح الأسئلة كيفما اتفق وتنفيذ تعليمات المخرج حرفيا. وإنما يدرك أنه يعمل بمثابة الوسيط بين المتلقي وضيف اللقاء ونجاحه هو المؤشر والمقياس لنجاح البرنامج بعيدا عن التكلف والتصنع والجمود.